قديمة هي علاقة الأدب بالتاريخ، ويظلّ السجل التاريخي عبر العصور ملهم الثقافات، وخزّاناً أثيراً يستقي منه الروائيّون أعمالهم، ينهلون منه حوادث شكّلت منعطفات هامّة في مرحلة من مراحله أو أكثر، يتّخذونها متكآت لهم ينطلقون من خلالها إلى عوالمهم الروائيّة الشاسعة، يبنون عالماً متخيّلاً على أساس نقاط علّام لهم، بحيث يهندسونها بطرائقهم الخاصّة وأساليبهم المبتكرة، حتّى لتكاد تنافس التاريخ المفترض، أو المدوّن، وتتقدّم باعتبارها تاريخاً لا تخييلاً، وهنا قوّة الخلق والابتكار والتخييل. في هذا الملفّ الذي ننشر جزءا منه بالاتفاق مع مجلة “الجديد” مقالات تفتح الباب للتنقيب في سبل استلهام الروائيّين لأعمالهم وقائع من طيات التاريخ أو عتماته، وتتقصى المقالات كيف نسج الروائيون بصياغاتهم الخاصّة تلك الوقائع، وذلك من خلال عدّة دراسات تخوض في العلاقة بين الرواية والتاريخ، وأساليب الروائيّين ومغامراتهم، والكيفية التي بلوروا وفقها أعمالهم وممارسة الإسقاط على الراهن، والدفع إلى الاعتبار من الدروس التي يشتمل عليها هذا التاريخ، بنوازله وكوارثه، أو بمحطّاته المفصليّة التي رسمت مسارات أزمنة تالية عليها. هل أصبح الروائيّ مؤرّخ العصر الحديث؟ إلى أيّ حدّ نجح الروائيّون بكتابة تاريخ متخيّل مبنيّ على وقائع تاريخيّة معلومة؟ هل يأتي الاشتغال على التاريخ من باب الهروب من الواقع أم لمحاولة فهم هذا الواقع أكثر فأكثر؟ يغامر هذا الملف بتقديم إجابات عن العديد من الأسئلة المتصلة والناجمة عن علاقة الرواية بالتاريخ وانشغال الروائيين بهذه الموضوعة، وتضيء المقالات المنشورة هنا جوانب أساسية من العلاقة الدرامية بين الرواية والتاريخ، وحول طبيعة التجديد الذي يلازم التاريخ روائيّاً، وكيف أنّ الرواية التاريخية تتحوّل إلى روايات إبداعية تنفتح على آفاق جديدة على أيدي حائكين؛ حكّائين، ماهرين يجيدون اللعب في هذا الميدان الثريّ، الساحر والشائك.
مشاركة :