لعل من يكتب عن أزمات المنطقة والبحث عنالحلول لها ومن يقيم تجربة الأتحاد السوفيتي وفشلها ومن يبحث عن جوهر الإسلام والرسالات السماوية الأخرى، ومن يبحث في هيمنة القوىالعالمية على شعوب المنطقة وتؤاطؤ السلطات الاقليمية معها. ومن يبحث في تمكين المرأةوتحريرها، ومن يناصر الطبيعة ويريد الحفاظ عليها ومن يسعى للعيش وفق منظومة القيمالمشتركة لشعوب المنطقة وتاريخها وثقافتها، لابد وخصوصًا في الاسبوع الذي يصادف فيه14 فبراير إلا ان يكتب عن المناضل والمفكر والقائد عبدالله أوجلان الذي تم أعتقاله في نيروبي عاصمة كينيا في 14 فبراير عام1999م وفق مؤامرة دولية و بعملية استخباراتية على يد اسرائيل وحلف الناتو ومشاركة عدة دول وتم وضعه في الاعتقال وحيدًافي جزيرة إمرالي في تركيا.. لماذا؟ لانه جسد في شخصه وفكره ونضاله تاريخ أحد اقدم الاممفي المنطقة وجغرافيتها وجبالها التي ترفض التبيعية والذل وتحافظ على شموخها ونقائهاكصفاء الثلج على ذرى جودي التي حط عليها سفينة سيدنا نوح عليه السلام. وفي كل عام يتظاهر الملايين من الشعب الكرديوأصدقائهم ومن القوى الديمقراطية في العالم ويقيمون الفعاليات المختلفة للمطالبة بحريةالمناضل و القائد عبدالله أوجلان وحل القضية الكردية ضمن دمقرطة الدول التي يتواجدفيها ويعتبرون يوم 14 شباط اليوم الاسود . ولد أوجلان في سنة 1948 في قرية أمارا بناحيةخلفتي في ولاية أورفا في جنوب شرق تركيا(شمال كردستان) من أب أسمه عمر وأم اسمها عائشة(عويش باللفظ الكردي) يصف أوجلان طفولته وذهابه الى المدرسة التيتعلم باللغة التركية غير اللغة التي تعلمها في البيت واصفًا تلك المدارس " مدارسالحداثة الفاشية التركية البيضاء". ويذكر في طفولته كيف كان يحفظ سور القرآن في المرحلة الابتدائية وكيف كان يقف في الصلاة وراءالأمام "المسلم" واحيانا هو من يئم التلاميذ وحتى أن الامام قال عنه"اذا واظب بهذه الطريقة سوف يحلق عاليًا". وكما يشير في كتبه الى أنه في ايام الدراسةالثانوية طالع كتاب "أبجدية الاشتراكية" ليستمر بالاشتركية كدين علماني.معتاكيده على استمرار جوهر الايمان لديه. يؤسس مع 22 زملاء له من الجامعيين حيث كانيدرس العلوم السياسية في جامعة أنقرة في قرية فيس في عاصمة كردستان الفعلية آمد(ديابكر) عام 1978حزب سياسيًا(حزب العمال الكردستاني) منمبدأ أن كردستان مستعمرة، وبناء على البرنامج المعد لاستذكار استشهاد اول شهيد للحزبوهو تركي الاصل حقي قرار . ولكن بعد شهر ترتكب الدولة التركية مجزرة مرعش ومرعش واحدةمن المدن الواقعة غرب الفرات وهم ملاطية وأديامان وألازغ والتي قررت الدولة التركيةممارسة التطهير العرقي فيها بحق الكرد منذ عام 1925م وأفراغها من أهلها الكرد. ويشير القائد في كتابه المجلد الخامس(مانيفستو الحضارة الديمقراطية) أنه منذ ذالك العام للتأسيسكان يبحث عن أخذ التدابير في اتجاهين الاول الاستعدادات لكفاح جبلي طويل والثاني الىفتح منفس احتياطي للحركة من خلال الذهاب الى خارج الوطن. ويؤكد انه بسبب هذين العاملينسيصبح ديمومة الحركة والنضال واقعا قائمًا. ويختار اللجوء الى الشعب العربي دون سواهويعبر الى سوريا عام 1979 ومنها الى لبنانوالى لقاء الحركات الثورية الفلسطينية. يقول المناضل والمفكر أوجلان عن تلك الايام "ومثلما حال سيدنا ابراهيم وجدت نفسي بين الفلسطينيينبعد مسيرة دامت شهرا او شهرين.بدات ايامي هناك دون معرفة اللغة او وجود مترجم و كانتاياما لايوجد ما يتشبث به المرء للمقاومة فيما خلا أهمية الهدف المامول" ويضيف: "وكما تشبه أنطلاقتنا خروجسيدنا موسى ويبدوا ان القصة ذاتها تعاش وتتكرر الاف المرات على خط اورفة_حلب_الشام_القدس_مصرمنذ عهد السومريين و الفراعنة المصريين" ويعقد المؤتمر الثاني للحزب في أحد المخيماتالفلسطينية للحركات الفلسطينية وهنا يمر اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ويتم أخذالقرار بالعودة والبدء بالكفاح المسلح على أثر استشهداء العديد من المناضلين والكوادرفي السجون التركية تحت التعذيب ونتيجة لحملات الصيام حتى الاستشهاد لمقاومة الظلم وعدمالاستسلام في السجون بعد الانقلاب الذي حصل في عام 1980م وفي يوم 15 أب 1984 ينطلق الكفاح المسلحالذي يعتبر ميلاد جديد لشعبٍ، أرادت المؤامرات والاتفاقيات الدولية ابادته ومحوه منالتاريخ والجغرافية، ويستمر ذالك الكفاح حتى يومنا هذا ضد إنكار وإبادة الدولة التركية للمجتمعات والشعوب الموجودة في تركيا وهنا نستذكر الثائر الجزائري فرانز فانون الذي يقول أن الطلقة الاولى هي ضد ضعف الانسانأولا قبل أن يكون ضد المستمعر. ومن بعدها انضم الالاف من ابناء الكرد والسريان والارمنوالعرب والترك للنضال ضد فاشية وظلم السلطاتالتركية بحقهم. يعتبر أوجلان أنه استفاد من التجربة الاشتركيةوكانت اساسا له لكنه كان ينتقدها منذ البداية ويحاول تطويرها ومن أهم النقاط : 1_أن الدولة لايمكن أن تكون النتيجة والوسيلةالمناسبة لتحقيق الحلول وحل الأزمات بل أنها أداة لتحقيق الربح الأعظمي للنظم المهيمنةو منتجة للازمات والعقد . وكلما تمكن الدولة من فرض نفوذها تم تقليص ساحة الحرية والعكسصحيح.. 2_أن الريادة يجب أن تكون للمراة والشبابفي التغيير والثورة والبناء وليس للعامل الذيلاحول ولاقوة له . 3_ان التاريخ لن يكون وفق خط مستقيم ووفق التقسيماتالتالية المجتمع المشاعي, الأقطاعي, الراسمالي والأشتراكي.بل أن التاريخ متداخل واللحظةتجسد الماضي والحاضر وتُكون المستقبل ويمكننا مقاربة التاريخ من تدفق واستمرار الفرعينالحضارة المركزية والحضارة الديمقراطية أي السلطة والمجتمع . 4_ لايمكن الاعتماد فقط على الجانب الاقتصاديلتفسير حركة التاريخ والحياة والحل بل يجبأخذ الجانب الاجتماعي بشكل أساسي الذي يميز الانسان والمجتمع. ويشير المناضل أوجلان كثيرا الى أهمية إتفاقالمدينة الذي عقده سيدنا الرسول مع الديانات الأخرى ويعتبره جوهرا ديمقراطيًا في الاسلاميمكننا الاعتماد عليه ويشير الى الى الفارق لانطلاقة سيدنا محمد عن سابقيه بأنه التكاملالكلي لنضاله الايدولوجي والسياسي والعسكري وانه تم أحراز أنتصارات عظيمة في غضوت حواليأربعين سنة على الرغم من تشكله من اناس بسطاء في البداية لكنه استطاع دك دعائم ثلاثةامبراطوريات عالمية (البيزنطية, الساسانية,الحبشة)وهو ياتي من قوة المجتمعية الجديدة المتكاملة الذي مثلها . ويشير الى التحول الى تركيبة جديدة تجسدشخصية صلاح الدين الايوبي وشخصية الحسين في آن معًا بصورة عصرية. ويشير الى انهم يمثلون التقاليد الاسلاميةالاكثر عدالة وحرية وديمقراطية في تاريخ المسحوقين والمضطهدين. ويؤكد ان الحل في الاسلام العادل الحر والديمقراطي.مشيرا الى فشل التيارات السلطوية السلفية العروبيةوالشيعية الايرانية. ولعل مايميز فلسفة أوجلان وفكره هو موضوعحرية المراة التي تعتبرها مقياسًا وهدفًا يجب ان يكون لكل ثورة حيث يؤكد أن التنظيمالذي لاينظم المراة ليس بتنظيم والثورة التي لاتحرر المراة ليست بثورة مع أنتقاده الشديدللحالة والذهنية الذكورية التي تنظم حياتنا الأن وحتى أنه اقترح في كتابه الثالث علمومصطلح هو جنولوجيا أي علم المرأة كعلم للوصول للحقيقة. ومن النقاط الاساسية في فكره أيضًا هو اعتبارأن الثوري والثورة هي بمقدار مايقدمة للمجتمع ليتمكن المجتمع من العيش وفق أنسجته الاخلاقيةوالسياسية دون عوائق وسدود مع التاكيد على عدم الفصل بين الذات والموضوع الذي كان الاساسالعلمي لكل الدكتاتوريات بل يؤكد ويشير الى التكامل والوحدة مع مراعاة الاختلاف وذالككما أكده فلسفة الكوانتوم(الكم). وقد كتب حوالي 13 كتاب في سجنه وبالمجمللديه مايتجاوز 300 كتاب ويشير في كتابه الخامس ان تشكيل 22 دولة عربية وهيكلة تركيافي نفس الفترة كانت تمهيدًا لقيام اسرائيل كقوة مهيمنة نواة لهيمنة النظام العالمي.وبالتالي الذي انشئ الكل واحد في النهاية بعد الحرب العالمية الاولى والثانية. ويؤكد أن اصح خيار للشعوب العربية هي براديغماالعصرانية الديمقراطية الملائمة للحقائق والوقائع التاريخية والاجتماعية لشعوب الشرقالأوسط جمعاء والتي تتألف من حركات العدل والمساواة والبيئة وتحرير المراة والثقافةوذالك في ظل حياة عصرية مع الاشارة ان الاسلامالسياسي ليس بحل. ويضيف أن المعمعة والدوران في نفس الحلقة للقضية الفلسطينية والصراعالعربي الاسرائيلي لن يتم تجاوزه والولوج الى الحل إلا ان يتجاوز الجميع بما فيه الطرفالاسرائيلي الحداثة الراسمالية و النظام المهيمن الذي أوجدها وإلا سيظلوا العوبة ضمنالحدود المرسومة للصراع الناشئ عن الهيمنة الايدولوجية اليهودية_الاسرائيلية والنزعاتالقوموية والاسلاموية التي خلقتها هي بالأساس. بعد هذا العرض نود التذكير أن السلطات التركيةالمتعاقبة وبعد حروبها الطويلة كان قسم منها يتكلم عن الذهاب باتجاه حل القضية الكرديةوكان الطرف الكردي بقيادة أوجلان دائمًا مستعدًا للحل الديمقراطي الذي يحافظ على وحدةالدول حدودًا وسيادة مع مراعاة الخصوصية الكردية وذالك عبر دستور ديمقراطي يضمن الحقوقالمختلفة وعلى أثرها ومنذ عام 1994 تم وقف أطلاق النار من جانب واحد من الطرف الكردياكثر من 10 مراة حتى الآن وفي كل مرة كان الجانب التركي لايملك القرار والقناعة للذهابالى الحل وبل يحضر ابادة الطرف الكردي المفاوض في نفس وقت استمرار اللقاءات وكانت لاتلتزمباية تعهدات تقطعها. بالاضافة أنه منذ 2015بدات سلطات حزب أردوغاناكبر سياسة عزلة وتجريد على المناضل عبداللهاوجلان في السجن ولم يسمح للمحامين وللاقرباء بزيارته وحصل حملات الاضراب عن الطعامحتى الاستشهاد من قبل المناضلين المعتقلين في السجون عدة مرات وكانت الدولة التركيةتتراجع خطوة في سياسة العزلة وما تلبث أن تعيدها كلما استطاعت وكان أخر حملة للاضرابلفك العزلة بريادة النائبة ليلى كوفن ومشاركةالالاف من أبناء الشعب الكردي في عدة دول لرفعالعزلة. مع العلم أنه عندما تم أعتقال القائد نفذ حوالي 83 شخصًا بشكل طوعي وفردي عملياتفدائية بحرق أنفسهم نفسه تحت شعار "لن يستطيع أحد حجب شمسنا" لادانة الاعتقالوهذا لم يحصل في التاريخ ابدأ ولو لم يتدخلالقائد لأستمر أكثر من ذالك. لقد أمضى نيلسون مانديلا قرابة ٢٧ سنة فيالسجون بسبب نضاله وخرج محققًا لتطلعات شعبه وخلد اسمه كأيقونة النضال والحلالديمقراطي .وهاقدمضى على أعتقال وتواجد المفكر والقائد عبدالله أوجلان حوالي ٢١ سنة وسيدخل في السنة ٢٢ بعد ١٤ فبراير٢٠٢٠وهنا على من يود الإستقرار والسلام والديمقراطية في المنطقةأن يكون مساهمًا في تحقيق حرية المناضل والمفكر والقائد لما له منتأثير يتجاوز حدود الشعب الكردي وتركيا والشرق الأوسط بطرحه العصرانية الديمقراطيةكحل لأزمات المنطقة والعالم .
مشاركة :