توقف المشاركون في الدورة الأربعين لـ «المنتدى» عند الكثير من قضايا حقوق الإنسان التي يعيشها مواطن مجلس التعاون الخليجي، وعرجوا على مجموعة من العقبات التي تقف ضد غرس «ثقافة» حقوق الإنسان التي يمارسها هذا المواطن، وعرجوا على الصعاب التي ما تزال تمارس دورًا سلبيًا تواجه من يسعى لتكريس مفاهيم، وقيم، وممارسات، مثل تلك الحقوق، واجتهدوا من أجل الوصول إلى فهم مشترك لها. ويمكن تلخيص تلك النقاشات الثرية في محتوياتها، العميقة في خلفياتها، المتشعبة في مساراتها، في النقاط التالية: 1. قد تتفرع مفاهيم حقوق الإنسان، وربما تضيق أو تتسع تعريفاتها، بناءً على طبيعة المؤسسة التي تتبناها واحتياجاتها، أو الهيئة التي تحاول التقيد بتلك العريفات، لكنها في نهاية الأمر لا تختلف في الجوهر، ولا تخرج عن الأطر التي تلتزم بها المنظمات الدولية والإقليمية ذات العلاقة، وفي مقدمتها الأمم المتحدة التي تعتبر «حقوق الإنسان هي الضوابط والمعايير والحاجات الأساسية التي لا يمكن للبشر أن تعيش حياة طبيعية كريمة بدونها، وتعتبر حقوق الإنسان أساس العدالة، والأمان على وجه الأرض، كما أنّ تلبيتها تساهم في تنمية المجتمعات البشرية ونهوضها، بل هي أساس لكل أشكال الحياة وتُعرّف حقوق الإنسان أيضًا أنّها كل الحقوق اللازمة لجعل الإنسان يشعر بإنسانيته الطبيعية التي خُلق عليها، وهي شاملة وجامعة لكلّ نواحي حياته المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية». وعليه فمن المنطقي والطبيعي أن تنعم شعوب المنطقة بحقوقها في نطاق هذا التعريف، والقيم التي يدعو لها. 2. ينبغي النظر إلى حقوق الإنسان، ومن ثم التقيد بمقاييسها، استجابة لأنواع تلك الحقوق التي يجملها العديد من المصادر ذات العلاقة في مجموعة من الفئات التي تلخص العديد من المصادر، ومن بينها موقع «سطور. كوم» الإلكتروني على النحو التالي: أ. «الحقوق المدنية والسياسية: وتسمى (الجيل الأول من الحقوق)، وهي الحماية والامتيازات للسلطة الشخصية للمواطنين كافة بموجب القانون، إذ إنّ هذه الحقوق محمية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية». ب. «الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: وتسمى (الجيل الثاني من الحقوق)، وهي كل الحقوق التي تهتم في الأنشطة ذات الطابع الجماعي، أي أنّها لا تختص بالفرد لوحده، وإنّما الجماعات». ج. «الحقوق البيئية والثقافية والتنموية وتسمى (الجيل الثالث من الحقوق». 3. يقتضي الأمر ممن يحاول أن يؤصل لحقوق الإنسان أن ينطلق من كونها منظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة، وترفض التمييز الأثني، وتتجاوز الانتماء العرقي، وترفض التفرقة القائمة على الانتماء الديني، ومن ثم فهي عالمية بطبيعتها، وأممية في معالجاتها للقضايا، بغض النظر عن مصدر تلك القضايا أو المآل الذي تنتهي له. كل تلك الخلفية لا يستغني عنها أي نوع من أنواع حقوق الإنسان المشار لها أعلاه. 4. ضرورة المواءمة المبدعة، والمزج الأمين، الذي يدافع بصدق عن حقوق الإنسان، ويصونها ضد كل من، أو ما، يحاول تشويهها أو تقليص دائرة فعلها، بين المواثيق الدولية التي صيغت لمخاطبة العالم أجمع، أو تلك الإقليمية التي تتوجه نحو نطاقًا إقليميًا محددًا، سوية مع نظيراتها من الأدبيات الوطنية التي تدعو لها التشريعات الوطنية التي تنص على مبادئ حقوق الإنسان، ومن بينها الدساتير الوطنية، وما يتفرع عنها من قوانين، وما تفرزه من أنظمة. 5. أهمية التعامل الحذر المنطلق من مدخل إيجابي مع ظاهرة، أو بالأحرى صناعة التواصل الاجتماعي، كونها ظاهرة لا تقبل التجاهل، ومن غير المنطقي تجاوزها. وعلى هذا الأساس ينبغي وضع السياسات المتوازنة التي لا تضحي بحقوق الإنسان التي لا يستغني عنها الفضاء التخيلي من جانب، وتحدّ من التزييف الذي يرافق محتواها من جانب آخر. هذا التوازن المعقد والصعب في آن يتطلب النظر، من أجل التمسك بقيم حقوق الإنسان والثقافة التي تولدها، في الأمور التالية: أ. الوصول إلى الصيغة القانونية والتشريعية السليمة والمعافاة، التي تميز بين الغثّ والسمين في محتوى ما تبثه تلك الوسائل. ب. نشر الوعي المجتمعي الذي يزود المواطن الخليجي، بما يحتاجه من معرفة فنية وتقنية التي تبيح له الإبحار على قنوات التواصل الاجتماعي، والتحول إلى عنصر نشط فيها، دون التلوث بما يحمله البعض منها مواد تتنافى وتدعو له مقومات نظم حقوق الإنسان ومفاهيمها. ج. تكثيف نظم المراقبة، والارتقاء بمكوناتها التقنية بما يكفل بناء مجتمع خليجي تخيلي سليم، دون الوقوع ضحية السذاجة المثالية، أو البحث عن مدينة تخيلية فاضلة، إن جاز التعبير. 6. أهمية التوقف عند الشباب كفئة مميزة في البناء الهرمي من المجتمع الخليجي، بوصف كونهم الفئة التي ستتولى بناء المجتمع الخليجي المقبل، نظرًا للنسبة العالية التي يمثلونها من المجتمع القائم. وهنا حذر المنتدى من التضحية بمكونات اليوم، على حساب تلك التي يحملها المستقبل. وبالتالي فهناك حاجة لصيانة منظومة حقوق الإنسان التي يحتاجها الحاضر، والبناء عليها؛ من أجل الوصول إلى الصيغة الأفضل في المستقبل. شكلت الدورة الأربعون، من خلال الموضوع الذي اختارته، والمعالجة التي سادت نقاشاتها، علامة فارقة مميزة، أضافها المنتدى إلى سجله الحافل بالوقفات الجريئة أمام القضايا التي تهم المواطن الخليجي، وتشكل هاجسًا حقيقيًا يقضّ مضاجع أعضاء المنتدى، والمشاركين في لقاءاته السنوية التي تحرص على: 1. الاختيار الدقيق الناضج للموضوعات التي تمس حياة المواطن الخليجي. 2. المعالجة الرصينة، المرتكزة على منطلقات علمية راسخة لتلك الموضوعات. 3. التواضع العلمي الواثق بنفسه الذي يتحاشى الشطط الفكري، ويبتعد عن الغلو الإيدلوجي. 4. المهارة العلمية البعيدة عن الإغراق في النظريات، والمتحاشية للمساومة على مستوى المضمون بل وحتى الاستنتاجات. وفي انتظار الدورة الواحدة والأربعين، التي ستلتئم في العام 2021، يتطلع أعضاء «المنتدى»، ومن سوف يشاركون في تلك الدورة، نحو موضوعها الذي سينال نصيبه الذي يستحقه نقاشًا، وتمحيصًا، واجتهادًا.
مشاركة :