الاقتصاد المعرفي: الواقع والطموح (2-2)

  • 2/14/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إنَّ تحوُّل الإنفاق في الوطن العربي على قطاعات أخرى، كالإنفاق العسكري مثلاً، أضرَّ بتشجيع البحوث..! وبذلك يكون الوطن العربي هو الأقل إنفاقًا بين دول العالم على الأبحاث والتطوير، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والأقل في عدد الباحثين كنسبة لعدد السكان؛ إذ يبلغ عدد الباحثين طبقًا لعام 2018، وبالأخص الباحثون في القطاع الحكومي عمومًا، مع الكادر المساعد، ما لم يتجاوز 150 ألفًا، في حين أن الباحثين المتخصصين لم يتجاوز عددهم خمسين ألفًا بمعدل 142 باحثًا لكل مليون فرد، بنسبة 0.014 % من عدد السكان، في حين أن كوريا الجنوبية التي عدد سكانها اثنان وخمسون مليونًا عدد الباحثين فيها 325 ألفًا بنسبة 0.625 % طبقًا لبيانات معهد الإحصاءات التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة. أيها العرب، إذا لم نبحث ونتطور ونتقدم سنتقادم، وإذا لم ننتج ونُحسن وننافس ونتجدد سنتبدد، والقافلة ستمضي وسنظل خلف الركب! فما الخطب..؟ إن من المعايير الأساسية لتقييم اقتصاديات المعرفة للدول الأكثر ابتكارًا وإنتاجًا ما يعتمد على مقدار الحجم والإنفاق على البحوث العلمية والتطوير والجودة، ومقدار المساهمة في عدد براءات الاختراع على المستويين المحلي والعالمي، وكفاءة التعليم العالي ومخرجاته، ومدى مطابقتها لاحتياجات سوق العمل، وخدمة المجتمع، وما هي الإضافات الجديدة للبحوث في العمليات التصنيعية بشتى المجالات، ومقدار الإنتاجية وجودتها، وكثافة التكنولوجيا الرقمية وكفاءتها، وكم عدد الأبحاث المرتكزة على تحسين شيء ما وتخصص معيّن، وماذا أنجزت؟ كانت تلك المعايير هي أهم التوصيات للمنتدى الاقتصادي العالمي 2019م. وبصورة عامة، يظل معدل قياس اقتصاد المعرفة مبنيًّا على البيانات الإحصائية والمسحية، وحجم القوى العاملة فيه، والإنتاجية الفعلية، وطريقة نمو الاقتصاد المعرفي. يا للأسف؛ في معظم الأحيان معظم تلك المتطلبات مقيدة بعض الشيء عالميًّا، وفي الوطن العربي خصوصًا، وتختلف درجة التقييد من قُطر إلى آخر. فعندما تجتمع البيانات الحقيقية، والقواعد العلمية، والمعرفة المنتجة، والعقول الدارسة.. هنا نستطيع أن نقول إن لدينا اقتصادًا مبنيًّا على المعرفة؛ ليسهل علينا مقارنته بالموارد الأخرى كالطبيعية، إلا أننا نستطيع أن نقارن بشكل مبدئي. فمثلاً نستطيع أن نقارن أحد الموارد الطبيعية المتوافرة في الخليج العربي، وهي النفط. فكم سعر البرميل اليوم تقريبًا؟ بحدود 55 دولارًا، لـ200 لتر نفط خام، يحتوي بشكل تقريبي على 70 لتر بنزين، و32 لتر ديزل، و15 لتر كيروسين، و42 مواد أخرى، تقريبًا بوزن 142 كيلوجرامًا. ولو قارناه بشكل سطحي بمنتج معرفي كـ(آي فون 12) فسعره 900 دولار، ووزنه 194 جرامًا تقريبًا. سعر منتج معرفي واحد (آي فون 12) سيعطينا أكثر من 16.3 برميل نفط خام. وإن برميلاً واحدًا يزن 732 جهاز (آي فون 12)! هناك فَرق كبير وشاسع بين القيمة والحجم. يجب التفكير مليًّا من القائمين ومنسقي السياسات البحثية المعرفية في المنطقة العربية. هناك فجوة كبيرة، يجب ردمها قبل أن نصبح أطلالاً، ونستمر في مسلسل التقهقر والموت السريري. إلا أنه من خلال ما طُرح ستظل مشكلة التمويل وضَعف السياسات البحثية المطروحة، وقلة الإنفاق على البحث العلمي، وضَعف الاهتمام بالعلماء وبالكوادر البحثية التي تهاجر ولا تعود، وعدم الإيمان بأهمية البحث والمراكز البحثية والجامعات من صناع القرار، إضافة إلى ضعف التعاون البيني بين المراكز البحثية على المستويات كافة، المحلية والإقليمية والدولية.. ستظل المعضلة قائمة، وسنظل نرى العالم قد بلغ سطح القمر ونحن العرب نحفر بعمق حتى ينهال علينا ذلك التراب! وختامًا، يجب على واضعي السياسات في الدول العربية دعم البحوث بشكل سخي، وبموارد مستدامة، لا تخضع للظروف والمحاصصة؛ لتكون البحوث غاية لكل جامعة ومركز ومنظمة بحثية في ربوع الوطن العربي الكبير، وتشجيع القطاع الخاص، وتوجيه الباحثين في أي مجال إلى النظر إلى مدى أهمية البحوث المقامة من الناحية المعرفية والاقتصادية، ومدى مساهمتها الحالية في خدمة البشرية عمومًا، والمجتمع من حولهم خصوصًا. وكذلك تفعيل الابتعاث للباحثين للتعليم والتدريب والتأهيل والتبادل الثقافي، وتوفير المواد والمعدات والأجهزة اللازمة، واعتماد التحفيز المادي والمعنوي، والبُعد عن الروتين الإداري الممل في المسائل البحثية، وتجنيبهم قرصنة الموارد البشرية والبيروقراطية في التعامل مع الباحثين، وعمل موازنة عددية مقبولة فعلية لعدد الطاقم الإداري المساعد طبقًا لعدد الباحثين، وفتح المجالات أمامهم بحرية، والبحث عن أفكار جديدة من واقعنا ومشاكلنا، والابتداء من حيث انتهى الآخرون. كذلك يجب الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات، وتجميع وتخزين البحوث العلمية المنشورة، والكتب والمجلات في محركات بحث محلية (بنوك المعلومات)؛ لتكون متاحة للجميع، ومحدثة لمواجهة أي صعوبة في الربط، وعند غياب الشبكات، وفي الاضطرابات، وعند أي ظروف قاهرة. فعلى الأقل تُجمع البحوث المنشورة في جميع قوالب البحث العلمي منذ عام 2000م في شتى المجالات. كما يجب البحث في مجالات الطاقة المتجددة ودعمها، وتفعيل الصناعات التحويلية، خاصة تكرير النفط محليًّا، وعدم التصدير إلا للمنتجات النهائية عالية وغالية الثمن، والتوجه نحو الطاقة النووية واستخداماتها المختلفة في شتى المجالات الصحية والزراعية والبيئية والعسكرية عمومًا، والتوجه نحو تنشيط البحوث في تقنيات النانو في جميع المجالات أيضًا. ويجب أن يكون على رأس أوليات الدول العربية تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير الغذاء عن طريق تدعيم الإنتاج الزراعي، والنباتي والحيواني والسمكي، ورفع الإنتاجية، مع الحفاظ على سلامة المنتجات. في وطننا العربي نحتاج لأنصار العلوم والبحث والتكنولوجيا في المناصب القيادية. نحن بحاجة ماسة إلى سياسيين يعشقون البحث؛ ليبثوا عشقهم ودعمهم، وجعل البحوث على رأس أولويات مهامهم لتحفيز الساحة العلمية والبحثية، والابتعاد عن الساحات الأخرى المرهقة حتى نستطيع أن نتغير تغيرًا إيجابيًّا إنتاجيًّا معرفيًّا، تتطلع له شعوبنا، ويكون ضمانًا لمستقبل أبنائنا. المصادر: * الحربي، تركي بن مقبل نزال دور اقتصاد المعرفة في تحقيق التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية (2017) رسالة دكتوراه. * الريس، أماني (2007) حول مفاهيم ومؤشرات اقتصاد المعرفة: عرض لبعض التجارب الدولية مع الإشارة لحالة مصر. * زكريا صاوي، د. يحيى زكريا، د. هبة محمد محمود «برنامج مقترح قائم على الاقتصاد المبني على المعرفة وفاعليته في تنمية التفكير المستقبلي والوعي بالأدوار المستقبلية لدى الطلاب والمعلمين بشعبة الرياضيات بكلية التربية.» مجلة كلية التربية في العلوم التربوية 43.1» (2019): 15-62. * الصائغ، نجاة محمد سعيد «دور اقتصاد المعرفة في تطوير الجامعات السعودية ومعيقات تفعيله من وجهة نظر رؤساء الأقسام « International Interdisciplinary Journal of Education 1.1040 (2013): 1-14. ‏ * معجب جار الله الزهراني «المعوقات التنظيمية لتطوير التعليم العام في المملكة العربية السعودية: تصور مقترح في ضوء اقتصاد المعرفة» (2012). * نوزاد والشمري، البحث العلمي والتطوير في العالم العربي الواقع الراهن والتحديات (2016) مجلة المثنى للعلوم الإدارية والاقتصادية. * Davis, D. R., الجزيرة Dingel, J. I. (2019). A spatial knowledge economy. American Economic Review, 109(1), 153-70. * Unger, R. M. (2019). The knowledge economy. Verso Books. ‏ * http://www.observatorioabaco.es/biblioteca/docs/98_TWF_2006.pdf * https://ar.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states_ar.pdf * https://www.wipo.int/edocs/pubdocs/en/wipo_pub_941_2019.pdf *https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2882409/1/-الجامعة العربية تبحث تحديث الاستراتيجية العربية للبحث العلمي * https://en.wikipedia.org/wiki/Knowledge_economy * https://www.investopedia.com/terms/k/knowledge-economy.asp * https://www.natureindex.com/annual-tables/2019

مشاركة :