منتقو الأسهم يلجأون إلى البيانات لمنحهم فرصة جديدة للحياة

  • 2/15/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في يوم الأحد الأخير من نيسان (أبريل) 2019، هبطت طائرة "جلفستريم" أنيقة تابعة لشركة أوكسيدنتال بتروليوم في مطار أوماها. كانت شركة النفط قد أرسلت وفدا إلى نبراسكا لعقد اجتماع سري مع وارين بافيت، على أمل إقناع رئيس مجلس إدارة شركة بيركاشير هاثاواي بإنقاذها في معركتها للاستحواذ على شركة أناداركو. لسوء الحظ لم يبق الاجتماع سرا لفترة طويلة. شركة "بيانات بديلة" تسمى "كوندل" Quandl تتعقب تفاصيل رحلات الطائرات الخاصة، نبهت عملاءها بسرعة -معظمهم من صناديق التحوط- عن زيارة الطائرة "جلفستريم" غير المتوقعة والفرصة التجارية المحتملة. بعد يومين، أعلنت "أوكسيدنتال" استثمارا بقيمة عشرة مليارات دولار من بافيت، عراف أوماها. هذه الواقعة رمزية في طريقة محاولة صناعة منتقي الأسهم المحاصرة استعادة ميزتها في الوقت الذي فشل فيه كثيرون في الارتقاء إلى مستوى مقاييسهم المعيارية وفقدوا ثقة المستثمرين. عدد كبير من صناديق التحوط ومجموعات صناديق الاستثمار المشترك التقليدية راقبت تدفق الأصول إما إلى الصناديق السلبية وإما إلى استراتيجيات الاستثمار "الكمي" التي تعتمد على الكمبيوتر. في محاولة لاستعادة مهارتها هي تلجأ الآن إلى بعض أساليب استخراج البيانات التي ابتكرها منافسوها "الكميون" وتستثمر بكثافة في المبرمجين وعلماء البيانات. وتأمل أن هذا النهج الهجين، الذي يجمع بين حكم منتقي الأسهم ذوي الخبرة والرؤى التي يمكن أن تقدمها البيانات الكبيرة سيمنحها فرصة جديدة للحياة. يقول ماثيو جراناد، مسؤول تنفيذي كبير في صندوق التحوط الأمريكي الكبير "بوينت72": "على مدى ثلاثة عقود، اتخذت صناعة صناديق التحوط إلى حد كبير مسارين مختلفين -أساسيا وكميا- والاثنان لم يتقاطعا أبدا. الآن نرى المسارين يلتقيان ببطء". دائما ما كان المستثمرون ماهرين في استخدام التكنولوجيات الجديدة لاكتساب ميزة معلوماتية. تجار البندقية كانوا يستخدمون التليسكوبات لرؤية أعلام السفن المقبلة، والحصول على الأدلة عن بضائعها لشراء وبيع السلع وفقا لذلك. كما لاحظ جاك ترينور، المحرر السابق لمجلة المحللين الماليين في معهد CFA، ذات مرة: "قد لا تصبح ثريا من استخدام كل البيانات المتاحة، لكن بالتأكيد ستصبح فقيرا إن لم تفعل". تم تعزيز حرب المعلومات التي لا تنتهي في صناعة الاستثمار بسبب عصر البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي. دمج الاستثمار الأساسي القديم مع الكمي المتطور -غالبا ما يطلق عليه اسم "النهج الأساسي الكمي"- هو أحد أقوى الاتجاهات في إدارة الأصول. لنأخذ "مافريك كابيتال" برئاسة لي إينسلي. كان إينسلي ضمن فريق "تايجر كلوبس" Tiger Cubs الذي انفصل عام 1993 عن صندوق التحوط "تايجر مانيجمنت" التابع لجوليان روبرتسون، ليواصل صنع اسمه واحدا من أكبر منتقي الأسهم في الصناعة. لم يعين "مافريك" أول محلل كمي لديه حتى عام 2006، ويعترف إينسلي أنه كان في البداية متشككا إلى حد ما. يقول: "كانت تجربة. اعتقد أن الجهود قد تنتهي إلى كونها مضيعة للوقت والمال، لكنني اعتقدت أيضا أنها قد تجعلنا مستثمرين أفضل. اليوم تلعب الأساليب الكمية دورا في كل جزء تقريبا من عملية استثمارنا (...) لقد ساعدتنا لنكون مستعدين بشكل أفضل لبيئة أكثر تشددا بكثير". مع ذلك، دمج النهجين غالبا ما يكون صعبا من الناحية العملية. يعترف بعض مديري الأموال أن النتائج حتى الآن كانت غير منتظمة، ويأسفون على تكلفة موظفي التكنولوجيا المطلوبين ومجموعات البيانات الجديدة، ويتساءلون بهدوء عما إذا كان ذلك مضيعة للوقت والمال. في حين أن الجميع تقريبا في الصناعة يتوقعون اعتماد إدارة الأصول أكثر على الأساليب الكمية في المستقبل، إلا أنه يبقى سؤالا مفتوحا حول ما إذا كان هذا سينتهي إلى كونه ميزة مادية لمنتقي الأسهم أو مجرد طريق مسدود مكلف. لأكثر من عقدين، كانت المنازل التي تعود إلى عصر الملك جورج في مايفير موطنا لشركة جي إل جي بارتينرز GLG Partners. شركة جي إل جي التي أسسها ثلاثة مصرفيين سابقين في "جولدمان ساكس" في ذروة صناديق التحوط في منتصف التسعينيات، سرعان ما أصبحت واحدة من أبرز أعضاء المجتمع المالي في منطقة لندن الغنية، حيث بإمكان المتداولين الكبار فيها البحث في الأسواق عن فرص خلال النهار والاختلاط مع العملاء في مطاعم راقية تحمل عددا من نجوم ميشلان ليلا. لكن قبل عامين، انتقلت أخيرا إلى المقر الرئيس لشركتها الأم "مان جروب" في مبنى "ريفربانك هاوس" الحديث اللامع المطل على نهر التايمز. كانت شركة مان، التي اشترت "جي إل جي" عام 2010، تتعرض للضغط من أجل تخفيض التكاليف، لكن يقول المسؤولون التنفيذيون إن الدافع الرئيس كان ربط المتداولين "التقديريين" التقليديين في "جي إل جي" مع فرعها للتحليل الكمي الذي يعتمد على الكمبيوتر، "أيه إتش إل" AHL على أمل أن الدمج سيثبت أنه أكبر من أجزائه. اليوم يجلس جميع مديري المحافظ والمتداولون والباحثون والمسؤولون التنفيذيون في "جي إل جي" و"أيه إتش إل" معا في الطابق السادس، ما يساعد على تبادل الخبرات، بحسب بول تشامبرز، رئيس الأسهم السابق في "مان أيه إتش إل" Man AHL والآن هو رئيس الأبحاث الكمية في "مان جي إل جي" Man GLG. يقول: "من الأسهل الالتقاء وتبادل المعلومات عندما تمر بجانب زملائك في الممر". تعايش المتداولين ومديري الصناديق التقليديين في "جي إل جي" مع المبرمجين وعلماء البيانات في "أيه إتش إل" هو مظهر ملائم لاتجاه يحدث في أنحاء صناعة الاستثمار كافة. كثير من صناديق التحوط ومجموعات صناديق الاستثمار المشترك التقليدية تهدف إلى كبح التدفقات الخارجة وتخفيف الضغوط على الرسوم، وتأمل أن يتمكن المبرمجون وعلماء البيانات من المساعدة. يقول تيون جونستون، الرئيس التنفيذي لـ"مان جي إل جي": "أعتقد من كل قلبي أن الاستثمار التقديري سيستمر في الازدهار، لأن هناك كثيرا من الأشياء التي يكون فيها البشر أفضل كثيرا من الآلات. لكنني أعتقد أن الاستثمار الأساس الكمي سينمو، ومهمتي في إدارة الأعمال التقديرية هي لضمان استمرارها في الازدهار". ما يعنيه النهج الأساس الكمي من الناحية العملية يختلف اختلافا كبيرا. حيث يمكن أن يراوح من أتمتة جوانب الدعم، مثل حفظ السجلات والامتثال وتحسين أدوات إدارة المخاطر وتحليل المحافظ، إلى إصلاح التداول والأبحاث. مجالات علوم الكمبيوتر التي كانت غامضة فيما مضى، مثل معالجة اللغة الطبيعية -تعليم أجهزة الكمبيوتر لفهم وتحليل النص وكلام البشر- وتعلم الآلة هي الآن الموجة الرائجة في جميع أنحاء الصناعة. "هناك تحول عميق بين المستثمرين"، كما قال فيشواناث تيروباتور الرئيس العالمي للأبحاث الكمية في "مورجان ستانلي" في تقرير حديث بعنوان "التحليل الكمي لم يعد قاصرا على الكميين وحدهم"Quant Ain’t Just for Quants Anymore. كتب: "من الواضح أن أهمية التحليل الكمي في العملية الاستثمارية لعملائنا ترتفع. يطبقون بشكل متزايد أساليب كمية متطورة في تحليل الاستثمار". أجرى "مورجان ستانلي" استطلاعا على 400 عميل استثماري كبير في مؤتمر عقد أواخر العام الماضي، و51 في المائة منهم قالوا إن تعلم الآلة -مجال الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم في تحليل مجموعات البيانات الضخمة- كان إما مكونا وإما جزءا أساسيا من عملية استثمارهم، مقارنة بـ27 في المائة قالوا ذلك عام 2016. وقال 13 في المائة فقط إنهم لم يبحثوا موضوع تعلم الآلة، بعد أن كانت النسبة 44 في المائة قبل ثلاثة أعوام. الدافع الرئيس يأتي من مسيرة ضعيفة للعوائد التي اختبرت ثقة المستثمرين. وفقا لمؤشر ستاندرد آند بورز، 12 في المائة فقط من صناديق الاستثمار المشتركة الخاصة بالأسهم الأمريكية تجاوزت معاييرها خلال العقد الماضي. حتى صناديق التحوط الناجحة للغاية كانت قد تراجعت، خاصة صندوق التحوط الكلاسيكي قصير وطويل الأجل، الذي يراهن على الأسهم التي تنخفض وترتفع في آن معا. يقول إينسلي: "المستثمرون سئموا الأمر، كما هو متوقع. مجتمع المراكز الدائنة والمدينة لم يف بوعده بتحقيق عوائد مثل الأسهم مع مخاطر أقل خلال العقد الماضي". معظم الإثارة تحيط بدمج "البيانات البديلة" في عملية الاستثمار. يمكن أن يراوح هذا من إلغاء الإنترنت لمراجعات المنتجات ومحادثات وسائل التواصل الاجتماعي وحركة المرور على الإنترنت، إلى تحليل بيانات مشتريات بطاقات الائتمان وسجلات الشحن الرقمية وإيصالات مشتريات البريد الإلكتروني وحتى مواقع الهواتف الخليوية وصور الأقمار الصناعية. تقول رافيت مانديل، التي تقود وحدة بيانات جديدة في فرع إدارة الأصول بقيمة 1.9 تريليون دولار في "جيه بي مورجان": "البيانات هي معطل كبير. التخزين وقوة الحوسبة أصبحا رخيصين فعلا الآن. فلماذا لا نحاول جمع كل المعلومات المتاحة بكل اللغات من جميع أنحاء العالم؟". مثلا، أنشأت شركة جيه بي مورجان لإدارة لأصول ما تسميه لوحة معالجة اللغة الطبيعية. فهي تعمل بشكل مستمر على تحليل المعلومات من ملايين الوثائق ومصادر البيانات النصية، مثل أبحاث المصارف الاستثمارية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ونصوص مكالمات الأرباح، ولوحات الوظائف على الإنترنت، وقصص الأخبار والملفات التنظيمية، وتسلمها إلى مديري الصناديق بكبسة زر على لوحات المفاتيح. دمج التحليل الكمي والبيانات البديلة بالكامل في عملية الأبحاث والاستثمار لمدير الصندوق لكن دون محاولة تحويلها إلى تحليل كمي أمر بالغ الأهمية، بحسب تشامبرز من "مان جي إل جي". يقول: "من الناحية الواقعية، لا يوجد مدير تقديري يرغب في أن يقوم محلل كمي بأتمتتها ولا يوجد محلل كمي يرغب في إيجاد أدوات لن يستخدمها أحد". بدأ بعض مجموعات الاستثمار بتجربة البيانات البديلة منذ أكثر من عقد، لكن لم تنطلق تلك الجهود إلا في الأعوام الأخيرة. مثلا، قامت "مافريك كابيتال" بتكثيف جهودها في عام 2015، والآن لديها 15 محللا كميا وعالم بيانات. يقول إينسلي إن النتائج أصبحت واضحة خلال العامين الماضيين فقط والأيام الأولى لجمع البيانات تبدو الآن غريبة بالنسبة له. "كنا نقوم بتعيين أشخاص فقط لعد السيارات في مواقف السيارات وأشياء من هذا القبيل. نحن في محيط من المعلومات وقد يكون تحليلها صعبا. لكن خبرتنا باعتبارنا مستثمرين أساسيين ساعدتنا فعلا على التركيز في الأمور الصحيحة". مع ذلك، يقول بعض مديري الأموال سرا إنهم يشعرون بخيبة أمل من العائد على استثماراتهم في المبرمجين ذوي الرواتب العالية والبيانات البديلة المكلفة. حتى عندما يكتشفون فعلا شيئا ما يمكنهم استغلاله، تتآكل الربحية بسرعة بسبب اندفاع الصناديق الأخرى. تقول مانديل، من شركة جيه بي مورجان: "الجميع يعلم أن مجموعات البيانات هذه موجودة الآن. يكمن التحدي في أخذها وإيجاد إشارة ذات مغزى". البيانات عن مشتريات بطاقات الائتمان، مثلا، أصبحت الآن سلعة يقول بعضهم إنه لم تعد فيها قيمة تذكر لاستخراجها. مجموعات البيانات الأخرى، مثل صور الأقمار الصناعية وبيانات المواقع الجغرافية من الهواتف الذكية، تعد واعدة لكنها مكلفة وغالبا ما يكون من الصعب من الناحية العملية تحويلها إلى صفقات مربحة قابلة للتنفيذ وتأتي مع مخاوف تتعلق بالخصوصية تؤدي إلى تنفير المستثمرين. يمكن أن يكون بعض المعلومات مفيدا فقط بين الحين والآخر مثل بيانات الطائرات الخاصة التي كشفت زيارة شركة أوكسيدنتال الخفية إلى أوماها. حتى تامر كامل، رئيس شركة كواندل المملوكة لبورصة ناسداك، التي قامت بتزويد تلك المعلومات، يحذر من أنه قد يكون هناك الآن كثير من الضجيج المحيط بالبيانات البديلة. يقول: "إنها قوية، لكنها ليست سهلة كما ظن الناس في البداية. هناك بضع عشرات من الشركات التي تحقق نجاحا حقيقيا ومستداما مع البيانات البديلة. لكنني لا أعتقد أن النادي يتوسع بسرعة كبيرة". العقبة الأكبر هي مقاومة كثير من مديري الصناديق التقليديين لتعلم حيل وأدوات جديدة، كما قال جراناد، من شركة بوينت72. "من الصعب القيام بذلك أكثر مما يدركه معظم الناس، في الأغلب لأسباب ثقافية. إحداث رؤية من البيانات ليس سهلا، لكن التحدي الأكبر هو معرفة كيفية دفع التعاون والتفاهم بين مديري المحافظ وعلماء البيانات". يحرص المستثمرون من المؤسسات على هذا الاتجاه لكن يعترف أحدهم أنه غالبا ما يكون من الصعب تحديد الجهة التي تمكنت فعلا من الجمع بين أساليب الاستثمار الكمي والاستثمار التقليدي. يتساءل المستثمر: "إذا كنت لا تستخدم علوم البيانات والتحليل الكمي، فستكافح. لكن ما مقدار ما هو حقيقي، وما مقدار ما هو تسويق؟". لا يزال هناك كثير من المزالق. قبل عامين، كتب إينسلي رسالة إلى مستثمريه يشير فيها إلى أن شركة مافريك تمكنت أخيرا من "حل الشفرة" في دمج البيانات البديلة مع نهجها الاستثماري التقليدي. لكنه يعترف أنه بعد إرسال الرسالة مباشرة تقريبا، عانى صندوق التحوط نوبة ضعف في الأداء. لكن في حين أن الرسالة كانت "سابقة لأوانها على الأرجح"، إلا أن إينسلي لا يزال يعتقد أنها كانت تمثل نقطة انعطاف لصندوق التحوط الذي قيمته تسعة مليارات دولار. يقول: "لم نبدأ فعلا برؤية فوائد البيانات البديلة إلا في العامين الماضيين. عدد مجموعات البيانات يتفجر، ونعتقد أن قدرتنا على استخراج قيمة منها تتحسن كل يوم". يبدو أن النتائج الأحدث تعزز تفاؤله. حيث حقق صندوق شركة مافريك الرئيس عوائد بلغت 17.2 في المائة العام الماضي، مقارنة بنسبة 11 في المائة لصندوق التحوط المتوسط، القصير والطويل الأجل. النسخة ذات الرفع المالي من الصندوق نفسه حققت 33.2 في المائة، وصندوق "مافريك لونج إنهانسد" Maverick Long Enhanced سجلت 45.6 في المائة. لا يزال إينسلي متفائلا أن "مافريك" وصناعة الاستثمار ككل سترى في النهاية فوائد النهج الهجين. وهو يعتقد أن المستثمرين الذين لا يجمعون بين التحليل الأساسي والكمي سيهلكون. يقول: "نحن نرى بعض الفوائد، لكننا لا نزال في البدايات المبكرة. في حين أنني لا أعتقد أننا سنقرأ أن وارن بافيت عين فريق تحليل كميا غدا، إلا أنه في المستقبل إذا لم يعمل المستثمر الأساس على تطوير مثل هذه القدرات، أعتقد أنه سيكون في وضع تنافسي ضعيف".

مشاركة :