توقف القتال العنيف، خلال الأسابيع الماضية في أوكرانيا، لكن دونيتسك باتت أكثر عزلة من أي وقت مضى؛ فالأشخاص الذين يرغبون في الدخول أو الخروج من المدينة، يواجهون صعوبات في الحصول على بطاقات هوية خاصة، تمكنهم من التنقل، ويحدث ذلك في الوقت الذي باتت المدينة الواقعة شرق البلاد تعاني فيه من نقص فادح في المواد الغذائية. يمكن أن تكون الحدود مزعجة، لكن يمكن توقع إقامتها إلى حد كبير في أوروبا على الأقل؛ هذا ما ظل يعتقده سائق شاحنة أوكراني يدعى يفغيني حتى وقت قريب. وفي حين تخلت السلطات في أوكرانيا عن مراقبة نقاط حدودية عدة، أصبحت بعض المراكز الحدودية مزعجة بالنسبة للكثيرين في المنطقة المتنازع عليها من قبل أوكرانيا والانفصاليين الموالين لروسيا. ويقول السائق يفغيني: لا أدري إن كانوا سيسمحون لنا بالمرور، وربما اضطررنا للانتظار خمس ساعات أو أكثر. وكان ذلك عند نقطة تفتيش للعبور إلى داخل أوكرانيا. الحاجز الذي لم يكن موجوداً قبل إعلان انفصال إقليم القرم، وضمه إلى روسيا، العام الماضي. جدل يجادل البعض ما إذا كان اللوم يقع على الانفصاليين، أم القيادة في كييف، التي تسعى للانتقام منهم، لكن في كلتا الحالتين مدينة دونيتسك الآن تشبه وضع برلين الغربية في فترة من فترات تاريخها المظلم. انتظار يتعين انتظار أسبوعين إلى أربعة أسابيع، للحصول على بطاقة المرور، التي تصدر في قرية فليكا نوفوسيلكا، على بعد 90 كيلومتراً إلى الغرب من دونيتسك. مغادرة المحطة من الصعب الوصول إلى دونيتسك، كما هي الحال بالنسبة للخروج منها. أولئك الذين يأملون الفرار من المدينة المحاصرة، يذهبون إلى محطة الحافلات الجنوبية في دونيتسك. تتجول نساء مسنات في المحطة وهن يحملن أكواباً ورقية يتسولن بها في هدوء، أملاً في الحصول على بعض المال؛ في حين يبحث رجل كئيب المنظر في النفايات عن أي شيء له قيمة. ويصطف الناس عند مكتب المعلومات، حيث يدفعون دولارات عدة، مقابل الحصول على المعلومات. ولتفادي الجدال مع المسافرين، اضطر موظفو المكتب إلى وضع لافتة تقول: نحن أيضاً لا نعرف كيفية الحصول على بطاقة المرور. ويسمح السائقون بركوب المسافرين الذين بحوزتهم بطاقة المرور إلى المنطقة ب فقط. ويقول أوكرانيون محاصرون في المدينة إن مغادرة المحطة باتت صعبة للغاية، وتتعين المغامرة أحياناً، خصوصاً في غياب بطاقة المرور. ويأمل الانفصاليون أن تصبح الحافلات التي تنقل الركاب وسيلة للضغط على السلطات الأوكرانية والبلدان الغربية، التي تراقب الوضع في البلاد منذ فترة طويلة. وفي غضون ذلك، تبقى كييف مترددة في تخفيف المعاناة عن المدنيين، وتريد ممارسة مزيد من الضغوط على الحركة الانفصالية. وبين مطرقة الانفصاليين وسندان السلطات يظل المدنيون محتجزين إلى إشعار آخر. عند نقطة التفتيش الأولى بعد كوراخوفي، غرب مدينة دونيتسك، يتعين على المسافرين إبراز وثائقهم الشخصية، وفتح صناديق سياراتهم والخضوع للتفتيش من قبل الحراس الذين يبحثون عن أسلحة، وبعد نحو 500 متر على الطريق، تصادف السائقين كتل من الخرسانة والمتاريس والحواجز المضادة للدبابات وإشارات تأمر السائقين بإطفاء المصابيح الأمامية والتوقف على الفور. بعد ذلك، هناك حاويات وجنود مقنعون، على أهبة الاستعداد، يحملون بنادق كلاشنكوف. على مسافة كيلومتر واحد من هذا المكان، تبدأ أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية، التي أعلنها المتمردون ضد نظام كييف قبل أشهر، وهي منطقة يعتبرها الأوكرانيين أراضي العدو، وأنها معقل للإرهابيين. يعمل السائق يفغيني عند رجل أعمال في عاصمة المتمردين، دونيتسك، وهو يشحن المواد الغذائية منذ فترة؛ بما في ذلك المعلبات، ومعجون الطماطم، والحليب المجفف والبهارات، وغيرها من المواد الأساسية. وقد يكون يفغيني هدفاً للانفصاليين في نقاط التفتيش التابعة لهم. وقد مر السائق على نقاط تفتيش، جميعها تخضع لسيطرة الجيش الأوكراني، إلا أنه يخشى أن تصادر السلع التي يحملها من قبل المتمردين، وأن يتسبب له ذلك في مشكلات كبيرة مع رب العمل. برلين الغربية يجادل البعض في ما إذا كان اللوم يقع على الانفصاليين، أم على القيادة في كييف، التي تسعى للانتقام منهم، لكن في كلتا الحالتين مدينة دونيتسك الآن باتت معزولة، كما كانت برلين الغربية في فترة من فترات تاريخها المظلم، حتى من الناحية الشرقية حيث الحدود مع روسيا، بالكاد يسمح لبعض السلع العبور إلى المنطقة المتنازع عليها. ويسيطر الانفصاليون على الحدود بين أوكرانيا وروسيا، ولا يسمحون إلا بمرور شحنات المساعدات الإنسانية كدعاية من قبل موسكو في ما يبدو. كل شيء ابتداءً من الحليب إلى اللحوم والخضراوات أصبح نادراً في مدينة دونيتسك. وفي المقابل، أغلقت الحكومة الأوكرانية طرق الوصول إلى ما يسمى جمهورية دونيتسك الشعبية. وفي الآونة الأخيرة، أي شخص يرغب في عبور الخط الفاصل بين المعسكرين المتحاربين يجب أن يقدم بطاقة هوية بيضاء مطبوعاً عليها حرف ب، وقد قسم الأوكرانيون الجزء الفاصل بين القوات الحكومية والانفصاليين إلى مناطق عدة، وبطاقة الهوية البيضاء هي بمثابة افتح يا سمسم للعبور إلى المنطقة ب. ومنذ يناير الماضي، لم يتمكن أحد، حسب سكان المنطقة، من عبور الخط دون هذه البطاقة، والمشكلة ليست في البطاقة نفسها، لكن في صعوبة الحصول عليها. حالياً، يتعين انتظار أسبوعين إلى أربعة أسابيع للحصول على بطاقة المرور، التي تصدر في فليكا نوفوسيلكا، وهي قرية على بعد 90 كيلومتراً إلى الغرب من دونيتسك، ومن أجل الوصول إلى هذه القرية يتعين أن يكون بحوزة المسافر بطاقة الهوية البيضاء التي تمكنه من الوصول إلى القرية، التي تقع ضمن المنطقة ب. وهذه تعتبر إشكالية كبيرة ومؤرقة للسكان الذين وقعوا في ورطة حقيقية. حتى في برلين المقسمة، تم إيجاد حلول أكثر فاعلية لمثل هذه المشكلات، وكان الألمان آنذاك قادرين على الحصول على تصاريح التنقل من الجهات المعنية في برلين الغربية، حتى يتمكنوا من عبور الجدار الفاصل بين طرفي المدينة. وكان هذا الإجراء يدل على حسن النية في أيام الحرب الباردة، ويقول السائق يفغيني: إنه أمر غير معقول. في حين يقول سائق آخر إن الوضع على الحدود درامي، مضيفاً: انظروا إلى الناس هناك، الذين جاءوا من دونيتسك يظهرون وثائقهم للجنود الأوكرانيين، على أمل أن تلك الوثائق توصلهم إلى فليكا نوفوسيلكا. إلا أن الحظ لم يحالفهم، وسيضطرون للعودة مرة أخرى إلى نقطة التفتيش، وانتظار ساعات وربما أيام في البرد القارس، من أجل الحصول على بطاقة افتح ياسمسم. شرط جديد حصل يفغيني على بطاقة المرور، لكنها لا تساعد كثيراً، لأن الأوكرانيين قد وضعوا شرطاً جديداً؛ إذ يتعين على أي شخص ينقل البضائع داخل الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون إظهار تصريح من سلطات الضرائب من أجل السماح له بالمرور، ويجب على جميع الشركات التي تبيع المنتجات للمتمردين أن تحصل على مثل هذا التصريح، بما في ذلك شركة ماريوبول التي يتعامل معها يفغيني ويحمل منها السلع المعلبة. في الأسبوع الماضي، انتظر يفغيني والعديد من السائقين لمدة ستة أيام عند نقطة التفتيش، واضطروا إلى إعطاء 35 دولاراً رشوة لضابط في الشرطة الأوكرانية، ليساعدهم على المرور. ومع أن المبلغ يبدو بسيطاً لكنه راتب شهر كامل بالنسبة لكثير من العمال في أوكرانيا. ويقول السائق الغاضب: أرشدنا الضابط إلى دونيتسك عبر قرى عدة، حيث لا توجد نقاط تفتيش حتى الآن. ولكن حتى هذه الثغرات قد تم الآن إغلاقها، ولم يتبق سوى معبر رسمي، الذي أقفل أيضاً. لا أحد، بغض النظر عن الوثائق التي يظهرها، يمكنه عبور الحدود في مثل هذا اليوم في فصل الشتاء. ووفقاً لضابط في نقطة التفتيش، فإن أوامر إعادة فتح المعبر لم تأتِ بعد.
مشاركة :