مازال المشهد السياسي والعسكري يراوح مكانه باليمن، منذ قرار الأمم المتحدة تأجيل انعقاد مؤتمر جنيف الخاص بالأزمة التي تعصف بالبلاد. شهد الأسبوع المنصرم جهوداً حثيثة من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، تواصلاً لتحركاته السابقة، غير أنه لم يفصح عن تحقيق أي تقدم حقيقي في تقريب وجهات نظر فرقاء الأزمة أو فيما يتعلق بالقتال في اليمن، خاصة بعد زيارته الثانية لصنعاء، غير أن في جعبته ما ينقله من صنعاء إلى خارجها. حتى الآن تؤكد معطيات المشهد العام أن مسيرة الحسم العسكري متواصلة، وبالتزامن تخوض أطراف يمنية محادثات، غير معلنة رسمياً، في العاصمة العمانية مسقط، كشف عن طرف واحد فيها هو جماعة انصار الله (الحوثيون)، فيما تنظر الحكومة اليمنية الشرعية إلى هذه المحادثات بسلبية، من قبيل أن هذا الحوار لن يحقق الاستقرار في اليمن، ولا يعني الحكومة اليمنية ونتائجه غير ملزمة لها وفقاً للناطق الرسمي للحكومة اليمنية الشرعية. ولقيت الأنباء المسربة عما يمكن أن يطلق عليها محادثات مسقط اهتمام الرأي العام اليمني، بما فيه الوسط السياسي والإعلامي وهي محادثات يكتنفها الغموض وتحيط بها السرية المطلقة، على حساب الأنباء التي تحيط بالدور المعلن للأمم المتحدة من خلال مبعوثها إلى اليمن، كما عكس هذا الاهتمام تطلع الشارع للخلاص من الأزمة، التي خلقت وضعاً إنسانياً بالغ الصعوبة، فضلاً عن الخسائر البشرية والمادية، غير المسبوقة في البنى التحتية، التي هي ضعيفة في الأصل. ويمثل حصار مدينة عدن والاعتداءات العسكرية العنيفة على أهالي وأحياء مدينة تعز، مشهداً يدل على ما وصل إليه الأمر بالنسبة لجماعة الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث باتت ميليشيات الحوثي وقوات صالح تحاصر عدن عسكرياً وغذائياً ومالياً، فيما تقصف بعشوائية وعنف مفرط مدينة تعز، وهو أمر يمثل بعداً آخر في سلوك صالح والحوثي، وهو الانتقام من المدنية. وفي سياق المشهد السياسي بدت الأحزاب اليمنية عاجزة عن أي فعل إيجابي لجهة المساهمة في حلحلة الأزمة وإيقاف القتال، ولم تجد غير إطلاق المبادرات لرفع المسؤولية فقط، فذهبت مبادراتها أدراج الرياح، وكأنها لم تكن، ليس لعدم صوابية مضمونها، بل لأنها باتت لا تملك القدرة على الضغط السياسي والأخلاقي على أطراف النزاع للقبول بأي مبادرة تأتي من قبلها، فضلا عن افتقادها لعوامل الدفع بتلك المبادرات إلى الرأي العام، حيث لم يبق لتلك الأحزاب من دور تلعبه، إلا في ظل مراكز القوى والنفوذ المنقسمة في البلاد، بين شرعية تسعى للعودة إلى السلطة المنهوبة وانقلاب يتجه للهيمنة أكثر وبسط سيطرته بالعنف والخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمة، في حالة خضع لتسوية ما، فالحوثيون وصالح مازالوا يراهنون على القوة، رغم الضربات الجوية التي تلقتها ميليشياتهم من طيران التحالف ومن فصائل الثورة المؤيدة للشرعية. ووفقاً لتفاصيل المشهد الحالي يظل الحوار والتفاوض باتجاه تسوية سياسية، هو المخرج المرجح لحل الأزمة ووقف القتال، فعملية عاصفة الحزم وإعادة الأمل، رغم ما حققته في إنهاك للقدرة العسكرية لميليشيات صالح والحوثي، وكبح تحركاتها، إلى جانب تقدم المقاومة في أكثر من منطقة، إلا أنها لم تضع حداً لعنف طرفي الانقلاب والتمرد وإصرارهما على المضي في مشروعهما التدميري. وحيال ذلك لم تبادر أي إشارات إيجابية جادة من قبل طرفي الانقلاب والتمرد، (الحوثي وصالح)، للتعاطي مع الإرادة الوطنية والإرادة الأممية والانصياع لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية، بل مازال صالح يستثمر أدواته التي زرعها في كل منطقة باليمن، وفق حسبة قبلية ومناطقية والارتباط بمصالح مع تلك الأدوات، أنشأها خلال حكمه، تقوم على شراء الذمم والولاءات، وهو الأمر الذي مكنه من الصمود في بعض المناطق والسيطرة عليها، كما حدث مؤخراً في منطقتي الصعيد ونصاب بمحافظة شبوة، وسقوطهما بيد ميليشيات الحوثي وقوات صالح. وفي الجهة المقابلة كانت الشرعية المدعومة عربياً ودولياً، تصر على موقفها المتمسك بقرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية وانسحاب الانقلابيين من المناطق التي احتلوها. يصعب تصور نجاح أي تسوية مقبلة للأزمة القائمة في اليمن من دون تنفيد بنود قرار مجلس الأمن 2216 المتمثلة بتخلي الحوثيين عن السلطة والانسحاب من المدن التي تمددت اليها وتلك التي سيطرت عليها عسكرياً، ومن دون إبعاد الرئيس المخلوع علي صالح من المشهد اليمني نهائياً، وكذلك إبعاد صف من القيادات السياسية ورموز مراكز القوى والنفود في البلاد، التي مثلث إدارتهم للسلطة بعد ثورة فبراير 2011 والتسوية السياسية للمبادرة الخليجية، تكريساً للفساد والإقصاء السياسي، بما فيهم من رموز حزب التجمع اليمني للإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي العام، ومعالجة القضية الجنوبية بشكل عادل. كما أن أي تسوية مقبلة هذه المرة ستكون محكومة بإرادة إقليمية ودولية، تقوم على مراعاة مصالح الدول الفاعلة، وتبرز هنا المملكة العربية السعودية ودول الخليج والولايات المتحدة وتفاعلات مواقفها مع الملفات الساخنة في المنطقة كالملف الإيراني النووي وسوريا والعراق. مازال المشهد السياسي والعسكري يراوح مكانه باليمن، منذ قرار الأمم المتحدة تأجيل انعقاد مؤتمر جنيف الخاص بالأزمة التي تعصف بالبلاد. شهد الاسبوع المنصرم جهوداً حثيثة من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، تواصلاً لتحركاته السابقة، غير أنه لم يفصح عن أي تقدم حقيقي في تقريب وجهات نظر فرقاء الأزمة والقتال في اليمن، خاصة بعد زيارته الثانية لليمن، غير أن في جعبته ما ينقله من صنعاء إلى خارجها.
مشاركة :