نساء ورجال من خزان الخوف للتسامح - شريفة الشملان

  • 6/4/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في قصة (رجال في الشمس) لغسان كنفاني رحمه الله، أن رجالا فلسطينيين يبحثون عن الرزق في الكويت بلا جوازات سفر، يحاولون الدخول عبر صفوان من البصرة، وهم في شهر تموز (يولية) حيث الحر خانق. في خزان فارغ يجلسون، ومعهم تعليمات أن ينتبهوا للعمود الذي سوف يغرس في الخزان من قبل رجال الجوازات، كان لهم ذلك ولكن الحر الخانق والهواء غير المتجدد في الصهريج عجل بوفاتهم جميعا. السائق يتعجب من أمرهم ويقول (لماذا لم يدقوا على الخزان؟). في أواخر الثمانينيات كنا لا نختلف عنهم في صهريج من نوع آخر لكننا لم نكن نستطيع أن نصرخ أو نعبر، كان الخوف بلغ منا مبلغا كبيرا، ربما نحن على خطأ وربما نواجه تهما كبيرة كالخروج عن الدين والملة وما اسهل ذلك آنذاك. أتذكر وقتها كنا قادمين من الرياض للدمام، وفي مدخل الدمام عند الغروب، كانت سيارات شفر خاصة تحمل في داخلها فتيانا بين الثامنة والثالثة عشرة، يلبسون ثيابا بيضاء وشمغا بدون عقل، كان عليهم سيماء الهدوء والسكينة. عندما سألت فيما بعد عن سرهم، قيل لي إنهم يؤخذون للبر بمخيمات توعوية دينية، ولا أدري ماذا يتم فيها. وأتذكر وقتها قلبي احتج علي فأسكته كما سكت أصحاب الخزان. لم أكتب عن هذا ولم يكتب غيري، كنا نعاني من الخوف أن نكون على خطأ ما. نفس الشيء حدث في المدارس في التسعينيات، كانت الصغيرات يعدن من المدرسة وهن في حالة من الألم والخوف حيث تعرض على قلوبهن الغضة مشاهد للبوسنة والهرسك، وغسل ودفن الموتى، هنا ذهبت للمديرة أحتج أن ابنتي بعثتها لتتعلم وتتخرج وتنفع نفسها ووطنها، كانت المديرة طيبة جدا لكنها تشعر أن الأمر أكبر من أن تتحمله وحدها، أحالتني لمدرسة الجغرافيا التي كانت تمسك النشاط، قالت لي نعم نعمل ذلك ليتقوى قلب الطالبات ويواجهن مثل هذه الحالات، قلت لها لن تكون ابنتي غسالة موتى (إن شاء الله) ولن تذهب لتجاهد في البوسنة وغيرها، هذا اقصى ما قدرني الله عليه، لم نفعل لا أنا ولا غيري شيئا، ربما منعنا بناتنا لكن لم نمنع الكل، ولا أظننا سنجد جوابا لدى إدارات التعليم أكثر من جواب المعلمة، فقد كان التعليم بأجمعه متجها هذا الاتجاه. الشباب ذهبوا، بعضهم دون وداع لذويه، الفتيات أصبن برعب واهتزاز بالثقة حيث يتم تفتيشهن صباح مساء للتحقق من الشراب والقفاز ولاتزال قيادة المرأة معلقة. كبرت الرُّقع على شقنا، كلنا أُصيب بصمت الحملان، حتى عاد ما زرع واستقوى، فصار شبابنا بين مفجر ومُفجر به، وبدأنا نخشى أن نجد التفجير على أبواب بيوتنا اللهم سترك.. ها هو رمضان على الأبواب والمسلمون سيكونون بين تراويح وقيام، فهل سنأمن يا ترى.. العيب لم يكن بمن ثار وعربد ولا بمن استقوى ولكن كان الخوف يأكلنا. فما دققنا على الخزان كما فعل رجال غسان كنفاني رحمه الله. ألم يحن الوقت لنعمل كما عمل (مانديلا)، جمع الناس السود الذين تضرروا من البيض في خيام وجعل كل واحد يقص حكايته ومن ثم يسامح كي تنهض جنوب أفريقيا قوية، ونحن نريد لوطننا أن ينهض قويا في ظل التسامح بيننا فحباً بالله نريد حياة مستقرة آمنة.

مشاركة :