لقد تحددت المعالم الأساسية لنظرية الأخلاق ولم يعجز الإنسان عن معرفة تلك المعالم وجعل لكل فعل صبغة مستساغة لما يقوم به، تدل على أهمية البيئة والموقع الاجتماعي والطبيعي لوجوده، علماً أن أرسطو لم يوافق معلمه أفلاطون في نظريته إلى الأخلاق، كما لم يوافقه في نظريته إلى المعرفة، وهذا الاعتراض يقود إلى سلسلة غير متناهية من الاختلاف والقناعات والطبيعة الاجتماعية وترهات الكذب وتأثيرها على الفرد والجماعة. بيد أن التمادي في استغلال الناس وجدانيا سيخلق نوعا من التشكيك ومزيداً من التوتر والإيضاح المبتذل لكل حالة، وفي داخل كل منا صوت خفي يتمتم بلا أصداء ولا فاعلية يشعره بأن كل الشخصيات وهمية كما ظهرت لنا حالة سارا مريضة السرطان، فالتعاطف بين الناس ينبئ بحقيقة المثابرة على سمو الأخلاق وهذا ما عبر عنه المجتمع، فالادخار في الإنسانية ينم عن رغبة عنيفة قوامها الخوف والاضطراب الذهني، لاسيما في العلاقات الاجتماعية، التي تبتعد عن المشاركة في مشروع الحياة. إذ يستحيل على المرء العيش وحيداً دون الاندماج في المجتمعات، وخوض التجربة التلقائية والاتصال بالعالم ليظل العقل مستعداً لاستقبال كل الأحداث والمتغيرات، فالسلطة الفكرية قد تتأثر بانفعال الشارع، وتتقبله بوازع التسليم. وقد نتألم حينها ونطرح السؤال الذي يخلص الإجابة من مأزق الاعتراف، ليكون أساساً للمعرفة، وليس لاتهام أحد أو تسليط الضوء على أعمال فردية خلقت فوضى، وسياق يحدد تفسيرنا لما حدث وكيف استطاع الإنسان تجنب الخصومة في طرح الرأي الصريح في الأزمنة السابقة، وتعذر الطرح الآن. وسوف يقول الناس جازمين: لقد كانت العقول تخضع إلى الحوار وبعيدة عن فريسة الدسائس، ومصنّفة نظرياً وعلمياً لحيز سياسي معيّن يتقبله الجميع دون الإفصاح عن أي اعتراض للحقيقة بكل أبعادها، فقد كان استقلال الفكر استقلالاً محكماً يؤمن بالمثل الأعلى ويتجه نحو تسلسل لا نهاية له. لذلك تجدنا نحدق بالكلمات إن بدت غير مألوفة ونتنزه بين معانيها كأننا غرباء، لأن التماثل والتشابه قد عمّا المظاهر وتكررا في الجوهر، فليس هناك ضوء أو إشارة حولت الطفلة سارا إبراهيم إلى جريمة معلوماتية إلا مؤخراً، ولن يفيق من هذه المسألة إلا إنسان يستشفي في الخارج من مرض أصابه تاركاً خلفه تلك الأيام التي زعزعت سعادته وإيمانه بعودة عافيته، ما جعله يزداد بحثاً عن حياة أخرى جديدة. وهذا لايعني أن الإنسان يهتم لذاته فقط، ولا أظن أن الأمر يتعلق بسلامة الجسد، وإنما برعاية الكيان المغيب اجتماعياً كقدرات ساكنة تتوق إلى تقنية تمكنها من الغوص في أعماق الناس لاستحضار مشاعرهم. مع أن محرك العاطفة بين البشر هو التراحم والرأفة والتآخي والتناغم، وشبكة العلاقات في المجتمع الخليجي تملأ فراغاتها العاطفية قسطاً وافراً من الإنسانية، فالذكاء الوجداني يحث على التفاعل والتحكم في الانفعالات والحماس والتعامل الإيجابي مع الحالات المرضية والعاجزة والإحساس بالمسؤولية تجاهها، وبالمقابل نجد استغلالا لهذه المشاعر، ونشر قصص مركبة وملفقة، لها قدرة على تسخير الانفعالات لصالح أهدافها. إن كل الثقافات تتحدث عن أشياء عجيبة وغريبة تتحقق بشكل درامي مثير، وقصة الطفلة سارا انتشرت انتشارا واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وأخذت الناس من الخبر أرجحه بلا دليل وإنما ظن وتخمين.
مشاركة :