أستحضر بعضاً من الجدل حول اختلاف أمثلة الناس في مجتمعات العالم الثالث، فهي تتفق في المعتقدات والسلبيات وتختلف في الإيجابيات بدرجة عالية، وأيضا تتصارع من أجل وحدة الحلول، فتجد أن العطاء بدرجة منخفضة والأخذ بدرجة عالية، مما يسجل نقاط ضعف واضحة في مجمل هذا المجتمع، واختلافاً كلياً عن الحضارة العالمية والإيديولوجيا التي قامت عليها، فيترتب علينا أن نبدأ من العمق وليس لبسط سيطرة المعلومة منذ البداية، ولا يخفى على الناس أن الغرب في نهاية القرن العشرين أبدع في بناء هذه الحضارة وأرسى قواعد هيمنتها على المجتمعات الأخرى، فيقول بيشلار: (إن أخطر منتوج أعدته كيمياء الفكر ليس "التاريخ " بل الإيديولوجيا، والمشاكل التي التصقت بها لأنها تحول أطباءها إلى وسطاء روحانيين، والخطباء إلى سحرة). وكذلك صب جل نقده على العقل السياسي الذي عبث في قناعات الناس وسخرهم إلى طرق بلا نهايات، وبيئة ملوثة لم تستطع تلك الحضارة حمايتها، فماذا يقول العقل المعاصر عن هذه الافتتاحية في عصر جمع المنازعات، ووضع الحقوق في رأيين متقابلين. مما نشأ عنها نزاع وجدل لا ينتهي عن الحقائق والواجبات. كما أود أن أوضح بأن الحضارات قامت على الفاعلية المشتركة والاعتراف، وشيدت معارفها على القواسم المشتركة بين الثقافات، وتطورها وعلمها وأصالتها ووظائفها الأصلية التي خُلقت من أجلها. فمعيار القضية واضح في بعض المشاكل التي لم تحسم، مثل مشكل الحرية كما دونه معظم الفلاسفة، وكيمياء العقل العربي، وسعي الناس الحثيث إلى الاستقرار، الذي هو هدف الإنسان وغايته، وإحالته إلى هدف ذا طابع عنيد لا يتغير، وفي ذات اللحظة ثورته وانشقاقه، ولو أخذت الشعوب بالإصلاحات الصورية كبداية وتركت المضمون إلى أن تصلح إدارة تلك العقول، باعتبارها وسائل تمهيدية للتغيير المطلوب، لكانت الخسائر أقل والأهداف قد تحقق جزء منها، كمثال حي دولة تسحق شعبها من أجل نظام يستمر في السلطة، وهل بعد الموت والدمار آلية تتيح لهذه السلطة الشرعية، ولماذا ثارت الشعوب وهي لم تحدد أهدافها، وتنتخب من يصلح لقيادتها، بدلاً من الانشقاق وتنازع الثوار، حتى أصبحت مشاكل بلا معنى، وفشلاً ذريعاً. فالكشف عن مفهوم الحرية والنضال –حرية القرار وإدارة الشعوب - التي تستدعي إيديولوجية الحضارة العالمية، التي انبثقت من مركزية الثقافة الأوروبية، وتفوقت على الثقافات الأخرى رغم البربرية التي اتصفت بها، وقد نجحت عندما أدرجت ضمن سياستها المساهمة والتبادل في إيجاد علاقات سلمية مع الثقافات الأخرى. فالقدرة على إيجاد حلول لقضيتين تعترض كلاهما الأخرى، كالسياسة والإرادة، فالسياسة هي المعايير التي تشكل المجتمعات، أما الإرادة تحرر الناس من معوقات ذاتية، أدخلتهم في دوامة معتمة ومظلمة، فإذا أردنا تسليط الأضواء على الرأي العام، وحل المشكلات السائدة، لابد من العمل على تنظيم العالم الاجتماعي المحيط، ومقاربة قيمة المال من قيمه التي تحل معظم المشاكل، على اعتباره قوة اقتصادية اجتماعية، واختصار لائحة طويلة من المشاكل بلا معنى، فالتفاعل والإصلاح لا يخلط بين الحقوق والتمرد، بل قد يؤدي أحياناً إلى سوء فهم ومغالطة غير منطقية.
مشاركة :