المثقف المعاصر - مها محمد الشريف

  • 7/12/2013
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

الأمر لم يعد يتعلق بما تقرأ وبما تعرف، ولا بمقدار قدرتك على فهم ما تقرأه وتستهلكه من مواد ثقافية، بل يتعلق الأمر بأن تجد لنفسك مكانا في فضاءات الضجيج الثقافي، ولا تقلق إن لم يكن لديك شيء لتقوله، فلا أحد سيسمع على أية حال، لقد أصبحت مهمة أن تبدو مثقفا أسهل من أي وقت مضى، فلم يعد ضروريا الآن حمل كل تلك الكتب الضخمة، لقد تغيرت قواعد اللعبة هذا ما قاله "ديفيد بروكس " في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز ساخرا.. ويدرك الجميع أنه يحيط باستعمال لفظ مثقف التباس شديد في حديث الناس, ومما تجدر ملاحظته هو أن كبار المثقفين منفردون, وكل واحد منهم يعلن حيازته للحقيقة ويرفض مشاركته, دون أن يكون قادرا على إدعاء ضرب من الاحتكار للحقيقة الثقافية التي يمتلكها أو التي يهيمن عليها. و لكن المثقف الحديث هو في الغالب موظف, وهو دوما كاتب, أو ضمن عالم أكاديمي, تندرج أفكاره وكلماته المودعة في الكتب كل تفاصيل حياته العلمية والعملية .ثم رصد لنا الفيلسوف الفرنسي جان سارتر : المثقف وحقيقته, وأشكال الاغتراب التي يعيشها, وكذلك بيّن اجزاء الاختلاف الذي يدعو إلى مسألة مفهومه الخاص, وتجسيم قيم الحقيقة والحرية والعدالة في واقعه, ثم ذكر في كتابه "نقد العقل الجدلي" أن العدو المباشر لهذا المثقف الزائف, هو المدفوع من قبل الطبقة المهيمنة من أجل الدفاع عن ايدلوجيا مصالحها الخاصة بحجج تدعي الصرامة, وتبدو وكأنها نتاج لمناهج دقيقة, وكمثال على ذلك, فإن الكثير من المثقفين الزائفين قالوا : إن الثقافة وجاهة والتصنيف آتٍ من وحي الإعلام المرئي والمكتوب الذي رهن المعارف واشترطها وساهم فيها. إن الطبقة المهيمنة في كل مجتمع لا تهيمن بواسطة قوتها الاقتصادية بل بواسطة أفكارها التي تشكل رؤية شمولية للعالم تتآلف من تصورات وقيم تبدو في الظاهر معبرة عن الخير والجمال والحق ولكنها في الواقع تخفي مصالح اقتصادية واجتماعية وتبررها في نظر الطبقات الخاضعة حتى لا تكون محل رفض وتمرد. إن صفة المثقف ليست مرتبطة قسراً بالمهنة التي يزاولها ولقد انفرد في المجتمعات التقليدية بالمعرفة وكل ما يخص الشأن الفكري مما ولد لديه شعورا بالتعالي والتفوق , إلا ان التطور الهائل للتقنية الحديثة وكشوفاتها وقدراتها حقق الانسان ما كان يحلم به, و يعي ما يدور حوله, وأما الجماهير التي افقدته موقعه العالي ووهبته مكانا آخر يشاركه فيه كل أقرانه بلا تميز أو اختلاف, وجعلت منه إرادة مفرطة تشارك في كل ثورة جديدة سواء سياسية أو علمية او اقتصادية دون اسناد جيد يعبر عن طبيعة الصراعات القائمة وبين قراءته غير الدقيقة, علما أن الفاعلية البشرية فاعلية مبدعة تبدأ من مكونات الحياة البسيطة إلى الطفرات العلمية والتقنية التي حققها الإنسان. مما وهبه شعورا بضرورة الانتماء والتحدث عن البيانات السياسية طويلا والثورات وفضاءات النضال الحزبي والمشاركة في الصراعات القائمة بين الحكومات والدول والفضاء العمومي والجمعيات, ليحل محل الفأرة الإليكترونية وحش في يد مستعملها, مما جعل المشاهد يثني على تلك الشجاعة ويحتكم إلى الصمت والتناقض أحيانا, ويعيش خلطا عجيبا بين الموضوعي والقيمي , وإن أغلب القضايا التي تشغل المجتمعات تتوارد بواسطة الإعلام المقروء والمرئي وتشير كثير من تلك الوسائل إلى أن الشجاعة بالتوسط والاعتدال بين مختلفتين هما : الجبن والتهور ولذلك تكون الشجاعة فضيلة أخلاقية قوامها التفكير العقلي , قبل الانسياق خلف المنشور أو المعلن , وفي الحقيقة إن المثقف المعاصر قد اتصف بالجرأة والشجاعة والتجاسر على اختراق الصمت المطبق لكي يسجل انتسابا مشرفا للإنسانية الرفيعة.

مشاركة :