ساير الناس (1 من 2)

  • 2/21/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

العامي جمْعُهُ عوام، وهو المنسوب إلى العامة من الناس، والعامة من الناس ضد الخاصة والخاصة هُم الأثبات وأهل النظر والاجتهاد والبصيرة وأهل الحل والعقد وأهل الشورى كل ذلك بحسب الزمان والمكان، وهؤلاء لهم مزيد رتبة في العلم على العوام والعوام من الناس لا يُعتمد عليهم لجهلهم وليس عندهم علم ما يدفعون به الشبهات ولو شُكِّكُوا في الدين لشكّوا؟ ولو كُلفوا بالثقيل من الأعمال لما عملوا؟ وأكثرهم إذا فُتنوا بأنواع الفتن ينقص إيمانهم كثيراً وينافق أكثرهم، بل وأحياناً فيهم من يُظهر الردة إذا كان العدو مسيطراً عسكرياً وفكرياً، ولهذا جاء التوجية الإلهي في التعامل مع عوام الناس بقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، أي خذ في تعاملك مع عوام الناس ما ظهر من أخلاقهم وأعمالهم من غير تحسس ولا تجسس ولا تشدد، وخذ منهم ما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، ولا تكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل اشكر كل أحد قابلك بفعل أو قول جميل وتجاوز عن تقصيرهم وغض طرفك عن نقصهم. ولا تتكبر على الصغير لصغره ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره، بل عامل الجميع باللطف والمقالة التي تنشرح لها الحال وتنفتح لها القلوب، وجاء في الحديث الشريف: (إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأسود والأبيض والسهل والحزن، وبين ذلك الخبيث والطيب) والناس يتفاوتون في الطباع والأمزجة فمنهم الخيّر الفاضل الذي يُنتفع بصحبته ومنهم الرديء الناقص الذي يَتَضَرَرُ به صاحبه، كما أن الأرض مختلفة من حيث قبول ماء المطر ومن ثم الزرع أو النبات فمنها الأرض الطيبة التي يطيب ثمرها، ومنها السباخ الخبيثة التي يضيع بذرها ويبيد زرعها، ومنها ما بين ذلك والناس معادن ودائع مدفونة في الأرض، فمنها الجوهر النفيس ومنها الفلز الخسيس.وإذا كان الناس كذلك فالحزم الحزم إذاً في الإمساك عنهم والتوقف عن مداخلتهم ومماراتهم، إلى أن تكشف الأيام عن مكنون صدورهم وبواطن أمورهم، فيكون بعد ذلك إقدام على خبرة أو إحجامٌ عن بصيرة وعليه نفهم قوله عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )، والراحلة هي الإبل النجيبة القوية على تحمل وعثاء السفر والاثقال وقطع المفاوز، إضافة إلى جمال المنظر وهي نادرة من الإبل، وهنا وجه الشبه بينها وبين عوام الناس، وخصوصاً المنتجين أهل المقاصد العليا والصدق، ولا تكاد تعثر في المئة من البشر إلا على واحد يحمل معك الهدف النبيل ويقاسمك الهموم، ويحمل الغاية التي تسمو فوق المصالح الشخصية.مؤسف حقاً في زماننا هذا ندرة فحول الرجال، الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وما ذاك إلا لضعف الهمم واستيلاء الخور على عوام الناس، حيث كانت مكاسب الدنيا عندهم هي الغاية، ولهذا كان سعيهم شتى (إن سعيكم لشتى)، وجميع الدواب في الأرض مثلهم كمثل بني آدم قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)، أي أن طبيعة بني آدم تشابه في بعض الوجوه طبائع الحيوان فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من ينبح نباح الكلب ويعدو عدو الذئب على مصالحه ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس في مجلسه وفي مشيه، ومنهم المرضي في أخلاقه مع عوام الناس الكامل في الأوصاف، وهذا قليل وهو الجواد الذي يحمل أثقال الناس ويكشف كربهم، وتجده زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، يصنع المعروف ولا ينتظر منهم جزاءً ولا شكوراً .الخلاصة:الناس ثلاثة: عالم أو متعلم أو همج رعاع أتباع كل ناعق.

مشاركة :