إن إعادة التوزيع يمكن أن تدفع الاتحادات القوية لصانعي السياسات إلى الانخراط في زيادة التوزيع بتعبئة العاملين للتصويت للأحزاب التي تعد بإعادة توزيع الدخل أو دفع جميع الأحزاب السياسية إلى القيام بذلك. من الناحية التاريخية اضطلعت الاتحادات بدور مهم في إعلان حقوق اجتماعية وعمالية أساسية. وفي المقابل يمكن أن يؤدي إضعاف الاتحادات إلى قدر أقل من إعادة التوزيع وقدر أعلى من صافي تفاوت الدخل "أي تفاوت الدخل بعد الضرائب والتحويلات". قدرة العاملين على التفاوض وأعلى حصص للدخل: يمكن أن يؤدي انخفاض كثافة الاتحادات إلى زيادة أعلى حصص للدخل عن طريق الحد من قدرة التفاوض للعاملين. ومن الطبيعي أن تتأثر أعلى حصص للدخل ميكانيكيا بما يحدث في الجزء الأدنى من هيكل توزيع الدخل. فإذا كان خفض كثافة الاتحادات يضعف مكاسب العاملين من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة، فإنه يزيد بالضرورة من حصة الدخل لمديري الشركات وعائدات المساهمين. وعلى مستوى الحدس، فإن إضعاف الاتحادات يحد من قدرة العاملين على التفاوض مقارنة بأصحاب رأس المال، ما يزيد من حصة دخل رأس المال الذي يتركز في القمة بدرجة أكبر من تركزه في الأجور والمرتبات. وعلاوة على ذلك يمكن أن يؤدي إضعاف الاتحادات إلى الحد من تأثير العاملين في قرارات الشركات التي تفيد أصحاب الدخول الأعلى، مثل حجم وهيكل تعويضات كبار المسؤولين التنفيذيين. ولدراسة الدور الذي يسهم به عاملا إقامة الاتحادات والحد الأدنى من الأجور في زيادة التفاوت استخدمنا أساليب اقتصادية قياسية في عينة تضمنت جميع الاقتصادات المتقدمة التي تتوافر عنها بيانات والأعوام من 1980 إلى 2010. وبحثنا العلاقة بين مختلف مقاييس عدم المساواة "أعلى 10 في المائة من حصة الدخل، ومعامل جيني الإجمالي للدخل، ومعامل جيني لصافي الدخل"، ومؤسسات سوق العمل، وعددا من المتغيرات الضابطة. وتتضمن هذه الضوابط عددا آخر من العوامل المهمة التي تحدد التفاوت الذي عرفه الاقتصاديون مثل التكنولوجيا والعولمة "التنافس من العمالة الأجنبية منخفضة التكلفة" والتحرر المالي والمعدلات الحدية الأعلى لضريبة الدخل الشخصي، والضوابط على الاتجاهات العالمية الشائعة في هذه المتغيرات. وتؤكد نتائجنا أن خفض كثافة الاتحادات يرتبط بشكل كبير بزيادة حصص الدخل في القمة. وفي حين يصعب تحديد اتجاه العلاقة السببية، فإن خفض كثافة الاتحادات يبدو أحد العوامل الرئيسة المساهمة في زيادة أعلى حصص للدخل. ولا تتغير هذه النتيجة حتى بعد مراعاة التحولات في القوة السياسية، والتغيرات في الأعراف الاجتماعية المتعلقة بالتفاوت، والتحولات في التوظيف القطاعي للعمالة "مثل التخلي عن التصنيع وتنامي دور القطاع المالي"، وزيادة المستويات التعليمية. وتتسم العلاقة بين كثافة الاتحادات ومعامل جيني الإجمالي للدخل أيضا بأنها سالبة وإن كانت أضعف بعض الشيء. وقد يكون سبب ذلك أن معامل جيني قلل من أهمية الزيادات في التفاوت في قمة هيكل توزيع الدخل. وخلصنا أيضا إلى أن التخلي عن الاتحادات يرتبط بقدر أقل من إعادة توزيع الدخل وزيادة كبيرة في التفاوت الكلي نتيجة انخفاض الحدود الدنيا للأجر. وفي المتوسط، يفسر خفض كثافة الاتحادات نحو نصف الزيادة البالغة خمس نقاط مئوية في حصة الدخل لدى أعلى 10 في المائة. وبالمثل، يفسر خفض كثافة الاتحادات نصف الزيادة في معامل جيني لصافي الدخل. تركز دراستنا على إقامة الاتحادات باعتبارها إجراء يتعلق بقدرة العاملين على التفاوض. وبخلاف هذا الإجراء البسيط، توجد حاجة إلى إجراء مزيد من البحوث لدراسة الجوانب المحددة في إقامة الاتحادات "على سبيل المثال، التفاوض الجماعي، التحكيم" الأكثر نجاحا وما إذا كانت بعض الجوانب يمكن أن تكون أكثر إضرارا بالإنتاجية والنمو الاقتصادي. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت زيادة التفاوت الناشئة عن إضعاف الاتحادات أمرا محمودا أم مذموما بالنسبة للمجتمع. ففي حين يمكن أن تعزی زيادة حصة أصحاب أعلى الدخول إلى زيادة نسبية في إنتاجيتهم "تفاوت محمود"، فإن التعويض الذي يحصل عليه هؤلاء قد يكون أكبر مما تبرره مساهمتهم في ناتج الاقتصاد، بما يدل على ما يطلق عليه الاقتصاديون عبارة استخراج الريع "تفاوت مذموم". ويمكن أيضا أن يضر عدم المساواة في المجتمع بسماحه لأصحاب أعلى الدخول باستغلال النظامين الاقتصادي والسياسي. وفي تلك الحالات، ستكون هناك مبررات لتدخل الحكومات بإجراءات على مستوى السياسات ويمكن أن تتضمن تلك الإجراءات إصلاحات حوكمة الشركات، يعطى فيها لجميع الأطراف المعنية -أي العاملين والمديرين والمساهمين- حق الرأي في القرارات المتعلقة بأجور المسؤولين التنفيذيين، وتحسين تصميم عقود الأجور المتصلة بالأداء ولا سيما في القطاع المالي السعيد بالمخاطر، وإعادة تأكيد معايير العمل حيث يسمح للعاملين الراغبين في التفاوض بصورة جماعية.
مشاركة :