غيرت النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) المشهد بشكل غير مسبوق، حيث أظهرت هيمنة الأصوليين المتشددين على أغلبية المقاعد، في حين لم تعلن الحكومة بعد عن أية أرقام رسمية حول مستوى الإقبال ونسب المشاركة والعدد الإجمالي للأصوات. هذا بينما ادعت وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، أن نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية التي جرت الجمعة بلغت 42% بينما يرجح نشطاء ومراقبون أن تكون النسبة أقل من ذلك بكثير في ظل المقاطعة الكبيرة للناخبين خاصة في العاصمة طهران. ومع هذا، تعتبر هذه أقل نسبة مشاركة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الذي يمتد إلى 41 عاما منذ أن أسقطت الثورة عام 1979 الشاه محمد رضا بهلوي. بالمقابل، هناك مؤشرات على أن النتائج قريبة من نتائج استطلاع متشائم للغاية حول المشاعر السلبية للناس وشرعية النظام، نُشر قبل أيام من الانتخابات ورجح مقاطعة 80% من الشعب. كما أن شخصيات إصلاحية مثل مصطفى تاج زادة، نائب وزير الداخلية السابق، قال في تغريدة إن 80% من سكان طهران، و60% من سكان إيران لم يشاركوا في الانتخابات. وأكد الدكتور صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية وهو من الشخصيات الداعمة للرئيس حسن روحاني، أن 70% من السكان وفي المدن الكبرى 80% لم يشاركوا في الانتخابات.انتخابات مبرمجة هذا بينما يقول المقاطعون وأحزاب المعارضة إن نتائج الانتخابات معروفة مسبقا نظرا لعملية "هندسة" الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور، ورفض معظم ترشيحات المرشحين الإصلاحيين والمستقلين عن ساحة الانتخابات البرلمانية. وكما كان متوقعا، فازت في العاصمة الإيرانية طهران قائمة الأصوليين المتشددين في الانتخابات التشريعية في دورتها الحادية عشرة. وتظهر النتائج المبكرة انتصارًا ساحقًا للأصوليين، وعلى رأسهم وزير الثقافة السابق المتشدد مصطفى ميرسليم، وعمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف، وآخرون مثل زعيم جبهة اليقظة (بيداري) مرتضى آقا - طهراني. كما فاز في الانتخابات ما لا يقل عن 15 وزيراً سابقاً من الوزراء وحكام المقاطعات المقربين من المحافظين السابقين محمود أحمدي نجاد، من بينهم حبيب الله دهمرده وإبراهيم عزيزي وعبد الرضا مصري وحميد رضا حاجي بابائي وعلي نكزاد. وفاز حوالي 11 ضابطا من الحرس الثوري في مختلف المحافظات ضمن قوائم التيار الأصولي. ووفقا للنتائج الأولية فقد فاز الاصلاحيون بحوالي 5% من المقاعد في البلدات الصغيرة، بينما حاز المستقلون وأغلبهم من الشخصيات المحافظة والأقليات الدينية على نسبة 18% من الأصوات. وبعد أسابيع قليلة من ولاية البرلمان الجديد في الصيف المقبل، سيميل معظم المستقلين بأي حال من الأحوال إلى إحدى الفصائل المحافظة كما كان الحال من قبل.خسارة الإصلاحيين ومستقبل روحاني ومن الواضح أن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو المعسكر الإصلاحي الإيراني على الرغم من أن أعضاءه أعلنوا أنهم قد لا يشاركون في الانتخابات احتجاجًا على رفض أهلية مرشحيهم البارزين على نطاق واسع. وبالاضافة إلى ذلك، خيب الأداء الضعيف للرئيس حسن روحاني المدعوم من الإصلاحيين وفشله في تنفيذ وعوده بالإصلاح، آمال الإصلاحيين بالمستقبل. وسيكون البرلمان المتشدد بطبيعة الحال في مواجهة روحاني، حيث وعد بعض النواب الجدد خلال حملتهم بمحاكمته بسبب الإخفاق في الاتفاق النووي وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ومع ذلك، من غير المرجح أن يسمح المرشد الأعلى خامنئي بمقاضاة روحاني أو الإطاحة به، لكن البرلمان سيكون له مطلق الحرية في ممارسة الضغط عليه واستخدامه كبش فداء لكل المشاكل والأخطاء.النظام يخسر وبالمحصلة النهائية يعتبر المراقبون أن النظام برمته هو الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات من خلال تدني نسبة المشاركة والمقاطعة الواسعة وفقدان البلاد أجواء المنافسة ولعبة تبادل الأدوار بين الإصلاحيين والمتشددين التي لعب بها النظام كورقة رابحة وخادعة خلال مفاوضاته مع المجتمع الدولي سواء حول البرنامج النووي وسائر الملفات المثيرة للجدل. ويحاول قادة النظام وعلى رأسهم خامنئي إلقاء اللوم حول انخفاض مستوى المشاركة إلى "دعاية وسائل الإعلام المعادية" أو "انتشار فيروس كورونا" متجاهلين احتقان الشارع عقب القمع الدموي لاحتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ثم إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير/كانون الثاني الماضي. كما أظهر استطلاع للرأي أجراه أكاديميون في طهران بين 30 يناير/كانون الثاني و5 فبراير/شباط وشارك فيه أكثر من 43 ألف شخص، أن 81% لا يريدون التصويت في انتخابات 21 فبراير. وفي الوقت نفسه قال 93% من الذين أيدوا روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2017 إنهم لن يصوتوا نهائيا في هذه الدورة، في حين ذكر 69% أن سبب مشاكل إيران هو "سياسات الحكومة". ووفقا لمراقبين يدفع المتشددون وبإيعاز من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، للسيطرة على البرلمان والحكومة المقبلين لإنهاء الانقسامات الداخلية وإقصاء أي أصوات إصلاحية تطالب بتغيير السياسات الداخلية والخارجية وقبول التفاوض مع الولايات المتحدة.
مشاركة :