في الأول من حزيران يونيو 2015، قالت السلطات الهندية إن قوات الجيش قتلت أربعة مسلحين خلال معركة استمرت 16 ساعة في منطقة كشمير، كما أحبطت هجوماً على قاعدة عسكرية، بعد أن عبرت عناصر مسلحة إلى الحدود المشتركة مع باكستان. إن هناك عوامل نفسية وأيديولوجية تدفع على الدوام باتجاه تواصل التوتر الهندي الباكستاني. وعلى الرغم من ذلك، فإن مصلحة البلدين، كما الأمن الإقليمي، تقتضي البحث عن مقاربة ناجزة للسلام والتعاون بين الهند وباكستان هذا التطوّر، من شأنه أن يُعيد إلى الواجهة حالة التوتر على الحدود الهندية الباكستانية، وقد يتسبب في موجة جديدة من تبادل النيران بين الجيشين الهندي والباكستاني. ويشير الحدث الأخير إلى أن المجموعات المسلحة على طرفي خط الحدود لاتزال قادرة على أخذ زمام المبادرة، والتأثير في مسار الأحداث، بما في ذلك مناخ العلاقات الهندية الباكستانية. وعلى الرغم من ذلك، فإن كوامن التوتر بين البلدين تبدو أبعد مدى، فهي تمتد في حيثيات الجغرافيا والتاريخ. وكان أحد أحدث التوترات قد جرى في تشرين الأول أكتوبر 2014، على جانبي إقليم كشمير، حيث شهدت الحدود قصفاً مدفعياً متبادلاً بين الجيشين الهندي والباكستاني على مدى أيام، الأمر الذي أثار مخاوف من اندلاع حرب جديدة بين الدولتين. وسبق أن اندلعت ثلاث حروب بين الهند وباكستان على خلفية النزاع على كشمير، كانت الأولى في العام 1947 1948، أي بعيد استقلال البلدين مباشرة. والثانية في العام 1965، والثالثة في العام 1971، حين تدخلت الهند لدعم المجموعات التي اشتبكت مع الجيش الباكستاني في البنغال، في حرب أهلية أسفرت عن ولادة دولة جديدة هي بنغلاديش. وفي العام 1999، كاد البلدان يدخلان في مواجهة عسكرية شاملة في مرتفعات كارغيل. وفي كانون الأول ديسمبر من العام 2001، بدا البلدان على شفا حرب جديدة، بعد الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي، والذي اتهمت بالتورط فيه جماعات كشميرية تتخذ من باكستان مقراً لها. وحيث أدى ذلك إلى نشر نحو مليون جندي على طرفي الحدود، تم خفض تعدادهم لاحقاً. وفي نهاية كانون الأول ديسمبر من العام 2002، كشف الرئيس الباكستاني حينها، برويز مشرّف، بأنه حذر رئيس الوزراء الهندي آنذاك أتال بيهاري فاجبايي، في رسالة نقلها عدد من زعماء العالم، من خطر اندلاع حرب غير تقليدية، إذا عبرت القوات الهندية خط المراقبة في كشمير. واعتبر مشرّف أنه من غير ذلك التحذير فإن حرباً جديدة كان من الممكن أن تندلع بين البلدين. وبهذا المعنى، فإن التوازن النووي، الذي نشأ بين البلدين، قد لعب دوراً في منع الحرب بينهما. ويُمكن القول الآن إن احتمالات هذه الحرب قد باتت ضئيلة للغاية، حيث لم يعد لها من معنى في ظل الحدود المشتركة (2912 كيلومتراً) والقدرات النووية المتقاربة، إذ من شأن الحرب أن تقود إلى زوال الدولتين معاً من خارطة العالم. وقد أفادت تقديرات للمخابرات المركزية الأميركية، في كانون الثاني يناير من العام 2011، أن باكستان لديها ما بين 95 إلى 110 رؤوس نووية، ولديها وقود نووي كافٍ لإنتاج نحو مئة قنبلة أخرى، الأمر الذي قد يجعل منها القوة النووية الخامسة في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين. في المقابل، تشير التقديرات الدولية إلى أن الهند كان لديها في العام 2010 بين 60 إلى 80 رأسا نووياً. وتتبادل الهند وباكستان قوائم المنشآت النووية لدى كل منهما، وذلك تطبيقاً لاتفاقية ضمان الأمن النووي المبرمة بين الدولتين. وتجري عملية التبادل هذه في مطلع كل عام، لتفادي تعرض المنشآت الهندية والباكستانية لهجوم عرضي من طرف آخر، أي دون صدور أمر رسمي بذلك. إضافة للبُعد النووي في النزاع الهندي الباكستاني، فإن القوة التقليدية لدى البلدين تتسم بمستوى هائل من القدرة على التدمير المتبادل. وينطبق هذا الأمر بصفة خاصة على الترسانة الصاروخية المتقدمة المتاحة لدى البلدين. في الإطار الكلي للقدرات التقليدية، تفيد البيانات الدولية بأن تعداد الجيش الباكستاني كان600 ألف عنصر في العام 2010، يضاف إليهم أكثر من نصف مليون من قوات الاحتياط. ويخدم في القوات الجوية 45 ألف عنصر وفي البحرية 22 ألفاً، في حين يصل تعداد القوة البرية إلى 550 ألفاً. ووفقاً لمؤشرات العام نفسه، كان لدى باكستان 4291 قطعة مدفعية، و2461 دبابة قتال رئيسية، منها 640 دبابة حديثة. كما يمتلك الجيش الباكستاني 1266 ناقلة جند. وتمتلك البحرية سبع فرقاطات صاروخية، وثماني غواصات. في المقابل، يبلغ تعداد القوات الهندية 1.315 مليون عنصر، وفق مؤشرات العام 2010 – 2011، بينهم 127.2 ألفاً في القوات الجوية و58.35 ألفاً في القوات البحرية، وأكثر من 1.1 مليون في القوات البرية. وتمتلك الهند 4047 دبابة قتال رئيسية، و11258 قطعة مدفعية. وعلى صعيد قدراتها البحرية، أدخلت الهند في الخدمة أول حاملة طائرات، في حدث هو الأول من نوعه في تاريخ البلاد. وقد أريد بهذا الطراد مد نفوذ الهند الأمني في المحيط الهندي. ووفقاً لمؤشرات العام 2010-2011، تمتلك البحرية الهندية 94 طائرة، وعشر سفن برمائية، وعشرين طراداً صاروخياً، و8 مدمرات، و11 فرقاطة مجهزة بصواريخ موجهة، و107 مروحيات، منها تسع مروحيات للإنذار المبكر (airborne early warn)، و54 مروحية مضادة للغواصات (anti-submarine warf). كما تمتلك غواصة نووية مستأجرة من روسيا، و16 غواصة عاملة بالديزل. على صعيد المقاربات الدبلوماسية، دخلت العلاقة بين الهند وباكستان مرحلة جمود دبلوماسي، منذ أن اتهمت الهند مسلحين، يتخذون من باكستان مقراً لهم، بالمسؤولية عن هجمات مومباي، في تشرين الثاني نوفمبر من العام 2008. وعلى الرغم من بعض الاختراقات التي سجلت في الأعوام التالية، إلا أنه لم تحدث أية نقلة هامة في الحركة الدبلوماسية. وسبق لباكستان أن سعت إلى استرضاء الهند، بإعلان أحادي الجانب بخفض قواتها في المنطقة الحدودية، إلا أن تلك الخطوة لم تسفر عن نتيجة بارزة. ولا تبدو مقاربة السلطة الحالية في باكستان مختلفة من حيث الجوهر عن مقاربة السلطة السابقة على صعيد العلاقة مع الهند. بيد أنها أكثر عرضة للضغوط المحلية ذات الصلة بالقضية الكشميرية. وكانت انتخابات 11 أيار مايو 2013 البرلمانية قد اعتبرت حدثاً تاريخياً في باكستان، كونها أسست لأول انتقال للسلطة من حكومة مدنية أكملت دورتها إلى حكومة مدنية أخرى، وذلك منذ استقلال البلاد في العام 1947. وقد فاز في تلك الانتخابات حزب الرابطة الإسلامية – جناح نواز شريف، بحصوله على 124 مقعداً من أصل 342 مقعداً، هي إجمالي مقاعد الجمعية الوطنية. وتبرز قضية كشمير باعتبارها حجر زاوية في أية مقاربة للعلاقات الهندية الباكستانية. وقد عرض البلدان هذه القضية على مجلس الأمن الدولي منذ كانون الثاني يناير 1948. وانصرف المجلس إلى معالجتها عبر عدد من القرارات، تضمنت اتفاقاً لوقف إطلاق النار في جامو وكشمير، واتفاقية للهدنة بين البلدين، وإجراء استفتاء محلي، وفق ما جاء في قرار المجلس رقم (726)، الصادر في 13 آب أغسطس من العام 1948. وقد سارعت الهند لرفض هذا القرار، ولا تزال عند موقفها. ويُمكن التأكيد هنا على حقيقة أن أحداً في باكستان لا يستطيع أن يغامر بالتخلي عن قضية كشمير، بل إن دعم هذه القضية قد مثَل طوال ستة عقود ركناً أساسياً في شرعية كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في إسلام آباد. كذلك، تفرض كشمير نفسها على حسابات المخططين الاستراتيجيين في باكستان، فهي تحتل موقعاً حيوياً بين وسط آسيا وجنوبها، حيث تشترك في الحدود مع أربع دول، هي الهند وباكستان وأفغانستان والصين. وتعتبر باكستان إقليم كشمير حيوياً لأمنها القومي أيضاً بسبب وجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد تجري بمحاذاته. والأهم من ذلك، فإن ثلاثة أنهار رئيسية تنبع من الأراضي الكشميرية، تمثل قضية حيوية لأمن باكستان القومي. ويُمكن القول إنه إضافة للأسباب المباشرة، التي تمثلها قضية كشمير، والتوترات الناشئة بفعل المجموعات المسلحة على جانبي الحدود، فإن هناك عوامل نفسية وأيديولوجية تدفع على الدوام باتجاه تواصل التوتر الهندي الباكستاني. وعلى الرغم من ذلك، فإن مصلحة البلدين، كما الأمن الإقليمي، تقتضي البحث عن مقاربة ناجزة للسلام والتعاون بين الهند وباكستان. وهي مقاربة لا بد للجميع من العمل على جعلها حقيقة قائمة.
مشاركة :