في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2015م، قام رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بزيارة مفاجئة لباكستان، هي الأولى لرئيس حكومة هندي منذ أحد عشر عاماً. وقد التقى خلالها رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، في منزله بمدينة لاهور. وقد تقرر خلال الاجتماع الإسراع في إطلاق عملية تفاوضية جديدة، تبدأ باجتماع وكيلي وزارتي الخارجية في البلدين. ثمة ما يشير اليوم إلى أن الدبلوماسية أكثر رجاحة من خيار الحرب. ويشير مراقبون باكستانيون إلى أن هناك سبباً مهماً للتحسن المحتمل في العلاقات الهندية - الباكستانية يتمثل في انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، بل بما سيعكسه هذا الانسحاب من نتائج كبرى على الأمن الإقليمي. وفي فجر الثاني من كانون الثاني/ يناير 2016، حدث تطوّر في الموقف، بدا وكأنه مربك لحسابات الدولتين، فقد شنت مجموعة من المسلحين، هجوماً على قاعدة جوية هندية بالقرب من الحدود مع باكستان، هي قاعدة بتنخوت الجوية، الواقعة في ولاية البنجاب شمال الهند، والتي ترتدي أهمية خاصة، كونها تضم عشرات الطائرات المقاتلة، ولا تبعد سوى نحو خمسين كيلومتراً عن الحدود الباكستانية. ووفقاً لصحيفة (Times of India)، فقد قتل الجيش الهندي جميع المسلحين الذين هاجموا القاعدة. وعلى الإثر دعا رئيس الوزراء الهندي باكستان إلى التحرك بشكل "حازم وفوري" لاتخاذ إجراءات بحق المسؤولين عن الهجوم، الذي تبنته رسمياً مجموعة متحالفة تقاتل في إقليم كشمير. أما باكستان ذاتها، فقد سارعت لاستنكار الهجوم، الذي استنكرته أيضاً الكثير من دول العالم. وعلى الرغم من ذلك، مازال بالمقدور القول إن تحوّلاً ايجابياً، وذا مغزى، قد طرأ منذ أواخر العام الماضي على مناخ العلاقات الهندية - الباكستانية، وإن هذا المناخ يُمكن متابعته والبناء عليه. ويُمكن القول إنه إضافة إلى الاعتبارات الخاصة بكلا البلدين، التي تعزز السعي نحو التهدئة والتوافق، فإن تحسن الروابط بين نيودلهي وإسلام آباد يُمثل حاجة إقليمية، تعاظمت في ضوء خطط انسحاب القوات الأميركية والأطلسية من أفغانستان. وكان البلدان قد استأنفا الاتصالات رفيعة المستوى بعد حديث مقتضب بين شريف ومودي، في محادثات المناخ الأخيرة في باريس. وكانت محادثات رفيعة المستوى بين البلدين ألغيت في آب/ أغسطس 2015 بعد انتهاكات للهدنة عبر الحدود. وكان آخر ما يُمكن اعتباره جهداً دولياً لحل الأزمة الكشميرية قد حدث بين عامي 2001-2002، إلا أنه لم يسفر عن نتيجة محددة، وذلك بسبب رفض الهند التخلي عن مواقفها. وفي خطوة هدفت لتعزيز مناخ الثقة، قررت باكستان السماح لمحققين هنود بالقدوم إليها للتحقيق في هجمات مومباي التي حدثت في العام 2008، وجاء ذلك القرار بعد محادثات ثنائية، جرت في نيودلهي أواخر آذار/ مارس 2011، وضمت وزيري داخلية البلدين. وفي العام ذاته، قرر الرئيس الباكستاني حينها، آصف علي زرداري، الإفراج عن المواطن الهندي جوبال داس، المحتجز منذ 27 عاماً في سجون باكستان بتهمة بالتجسس. وقام رئيس الوزراء الباكستاني السابق، يوسف رضا جيلاني، بزيارة للهند لحضور مباراة في الكريكيت، بين البلدين في السادس من نيسان/ أبريل 2011. وكان رئيس الوزراء الهندي آنذاك، مانموهان سينغ، قد وجه دعوة بهذا الخصوص لكل من جيلاني والرئيس آصف زرداري. وقررت إسلام آباد الاكتفاء بإيفاد رئيس وزرائها. وقبل ذلك، وتحديداً في نيسان/ أبريل 2010، كانت القمة السادسة عشرة لرابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، قد اختتمت في بوتان بتحقيق انجاز سياسي، تمثل في اجتماع ثنائي ضم رئيسي الوزراء الهندي والباكستاني. وكان ذلك الاجتماع الأول بين الزعيمين، منذ محادثاتهما في شرم الشيخ في تموز/ يوليو من العام 2009. وخلال محادثات شرم الشيخ، توصلت الدولتان إلى اتفاق ينص على أن "العمل الخاص بمواجهة الإرهاب يجب ألا يرتبط بعملية الحوار المتعدد الأوجه.. وأن الإرهاب هو التهديد الأساسي لكلا البلدين". وفي المسار الجديد للتطوّرات، اتفق البلدان، في التاسع من كانون الأول /ديسمبر 2015، على استئناف مفاوضات السلام المتعثرة. وقد جاء هذا الإعلان خلال مؤتمر إقليمي في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وبعد بضعة أيام على ذلك، قال مسؤول هندي إن بلاده لن توافق سوى على مناقشة القسم الخاضع لسيطرة باكستان في كشمير، وذلك على الرغم من إعلان وزيرة الخارجية الهندية، سوشما سواراج، بأن البلدين قررا إعادة إطلاق محادثات سلام شاملة. ويفترض، وفق الاتفاق الجديد أن تتناول المحادثات موضوع السلام والأمن والأراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها إقليم كشمير. وتقول الرواية الهندية أن جزءاً مما كان آنذاك إمارة جامو وكشمير قد "احتله" الجيش الباكستاني منذ عام 1947، فيما قرر الأمير حينها الانضمام إلى الهند أثناء التقسيم. في المقابل، تؤكد باكستان بأنها تدخلت بسبب رفض الشعب الكشميري لقرار الانضمام إلى الهند. كما أن نيودلهي رفضت (وما زالت ترفض) إجراء أي استفتاء على تقرير المصير، وهو مطلب دولي ومحلي ثبته قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (726)، الصادر في 13 آب/ أغسطس من العام 1948. وكان أحد التوترات الرئيسية في الأشهر الأخيرة قد حدث في الأول من حزيران / يونيو 2015، حيث قالت السلطات الهندية إن قواتها قتلت أربعة مسلحين خلال معركة استمرت 16 ساعة في منطقة كشمير، كما أحبطت هجوماً على قاعدة عسكرية، بعد أن عبرت عناصر مسلحة إلى الحدود المشتركة مع باكستان. وقد اندلعت ثلاث حروب بين الهند وباكستان على خلفية النزاع على كشمير، كانت الأولى في العام 1947 1948، أي بعيد استقلال البلدين مباشرة. والثانية في العام 1965، والثالثة في العام 1971، حين تدخلت الهند لدعم المجموعات التي اشتبكت مع الجيش الباكستاني في البنغال، في حرب أهلية أسفرت عن ولادة دولة جديدة هي بنغلاديش. إن الهند وباكستان تعدان الآن دولتين نوويتين، ومن هنا تأتي حساسية مقاربة المناخ الأمني الحاكم لعلاقاتهما. وعلى الرغم من تفوق القدرات التقليدية الهندية، إلا أن هناك تعادلا في القوة النووية يميل قليلاً لمصلحة باكستان. كذلك، طوّرت باكستان برنامجا صاروخيا متعاظما، مضى بخطى متسارعة خلال العقود الثلاثة الماضية، بتعاون وثيق مع الصين. وفي المجمل، مثل تطوّر القدرات العسكرية الهندية حافزاً دائماً لدفع باكستان لاتخاذ خطوات في الاتجاه ذاته. وينطبق هذا الأمر على برامج التسلّح التقليدية والنووية، سواء بسواء. ويفوق تعداد الجيش الباكستاني 600 ألف عنصر، يضاف إليهم أكثر من نصف مليون من قوات الاحتياط. وفي العام 2010، كان يخدم في القوات الجوية الباكستانية 45 ألف عنصر وفي البحرية 22 ألفا، في حين يصل تعداد الجيش إلى 550 ألفا. في الجهة المقابلة، ووفقاً لمؤشرات العام 2010، يبلغ تعداد القوات الهندية 1.315 مليون عنصر، بينهم 127.2 ألفا في القوات الجوية و 58.35 ألفا في القوات البحرية، وأكثر من 1.1 مليون في الجيش. وهي ثاني قوة عسكرية في آسيا بعد الصين. ووفقاً لمؤشرات العام 2010، تمتلك الهند 4047 دبابة قتال رئيسية، و11258 قطعة مدفعية. وتختلف عروض الهند وباكستان في السباق النووي من حيث المنطلقات، فالهند عرضت إعلان عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية من قبل الدولتين، ورفضت باكستان هذا العرض لأنه في حالة النزاع التقليدي المجرد سيكون عدم تماثل القوات لصالح الهند على نحو كبير. وقد قدمت باكستان ثلاثة عروض مقابلة هي: إن قضية كشمير لابد أن تصبح القضية المركزية في حل أو التعامل مع العلاقات الهندية - الباكستانية الواسعة، وأن تعمل الهند وباكستان سوياً في اتجاه تقليل القوات التقليدية، وأن تعمل الدولتان على عدم نشر أسلحتهما. وأياً يكن الأمر، ثمة ما يشير اليوم إلى أن الدبلوماسية أكثر رجاحة من خيار الحرب. ويشير مراقبون باكستانيون إلى أن هناك سبباً مهماً للتحسن المحتمل في العلاقات الهندية - الباكستانية يتمثل في انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، بل بما سيعكسه هذا الانسحاب من نتائج كبرى على الأمن الإقليمي. إن المطلوب على نحو دائم هو تشجيع مقاربة دبلوماسية متوازنة للنزاع الهندي - الباكستاني، والنظر إلى ذلك باعتباره ضرورة لا غنى عنها للأمن الدولي.
مشاركة :