نشرتْ صحيفة «المدينة» خبر تقريرٍ حديثٍ للأمم المتّحدة يشيـر إلى تزايد عدم المُساواة ليشمل أكثر من (70%) من سكّان العالم، ونقلتْ في الخبر نفسه تأكيد الأمين العام للأمم المتّحدة أنّ العالم يُواجه الحقائق القاسية للمشهد العالمي غير المُتكافئ للغاية، والذي أدّت فيه الأزمات الاقتصادية وعدم المُساواة، وانعدام الأمن الوظيفي إلى احتجاجات جماهيرية في كلّ البلدان الجماهيرية والنّامية (المدينة، 22 يناير 2020). وللتذكير، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) ينصّ في مادّته الأولى: «يُولد جميعُ النّاس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق». وقد دأب التاريخ على التركيز على أخبار الرؤساء والسّلاطين وانتصاراتهم، وأمجاد المَلاحم والفتوحات والحضاراتِ بجوانبها المُشرقة، لكنه في معظم الأحيان يغفل عن أخبار الظُّلم والعُدوان، ومعاناة المغلوبين المظلومين المُستضعفين المقهورين الذين قضوْا دون جلَبة ولا ضجيج. يرى (ابن خلدون) أن الشرّ أقربُ الخلال إلى البشر، وعلى ذلك الجمّ الغفير إلا من وفّقه الله، ومن أخلاق البشر فيهم الظّلم والعدوان إلا أن يصدّهم وازع القهر والسّلطان عن التظالم، كما اقتبس من مقدّمته قوله (بتصرّف): الظّلم مُؤذنٌ بخرابِ العمران، وذلك مؤذنٌ بانقطاع النّوع البشري، وهنا الحكمة من تحريمِ الظّلم، وهي لحفظِ الدِّين والنفس والعقلِ والنسل والمال. ويُشير الدكتور (علي الوردي) أيضاً إلى رأي (ابن خلدون) أنّ الإنسان عدوانيّ وظالمٌ بطبعه لأنه حيوانٌ في طبعه، ولذلك فلابدّ أن تكون في كلّ جماعة من البشر سُلْطةٌ مقبولةٌ تمنع بعضهم من مُهاجمة بعضٍ ليستقيمَ عمرانُهم.. ويُفهم من ذلك ضرورة تطبيق تشريعات وتنظيمات وقوانين تحفظُ حقوق جميع فئات المجتمع دون تمييز، وتأخذُ على يد الفاسدين، وتحمي المجتمعات من آفة الظّلم والتظالم. ويتّفق المؤرّخ (غوستاف لوبون) مع (ابن خلدون) على أن من أسباب تفكّك الدّول وضعف المجتمعات، انتشارُ «الأَثرة» أي فرطُ الأنانية الفردية وتقديمُ المصلحة والمنفعةِ الخاصة على أيّ مصالح أخرى، وهي مظهرٌ صارخٌ من مظاهر الظُّلم وعدمِ المساواة.. وأرى أنه عند تفشّي الفساد الإداري وضياع الأمانة، فإنّ من الحكمة تجنّب أحدهم ولاية شؤون الناس وتوسّد مناصبهم الكبيرة، فهو إلى ظلمهم أقرب من إنصافهم، وإلى دعائهم عليه أقرب من دعائهم له، (إلاّ مَنْ أخَذها بِحقّها وأدّى الّذي عَليهِ فِيها) كما جاء في الحديث الشريف. ختاماً، يقول الدكتور (عادل صادق) أستاذ الطبّ النفسي: «وبعد رُبع قرنٍ من ممارسة مهنة الطب، أستطيع أن أضيف أحد الأسبابِ الطبية لموت الإنسان؛ ألا وهو الظُّلم».
مشاركة :