وإن كنا نلعن الظلم والظالمين، ونكره أن نكون إلا من العادلين، فإن ذلك لم يمنع الظلم منّا أو علينا، بل إننا تجاوزنا الأمر حتى افتخرنا به وتداعينا إليه في محافلنا وعلى منابر إعلامنا، فليس منّا من يستطيع إحصاء كلمة «مساواة» التي وردت في خطاباتنا باختلاف درجاتها ومقامات قائليها، حتى ظن بعضهم أنها شرط من شروط الإسلام أو سنة كونية ماضية فينا لا مناص منها، فالذي نفسي بيده لم ترد كلمة «المساواة» قط في كتابه المبين، و«سواسية» التي قالها المبعوث رحمة للعالمين لا تعني «المساواة» التي نظنها وسنُسأل عنها يوم الدين، إن المساواة في الحقوق لا تعني تساوي المقدار أو القيمة، بل تعني الحق نفسه باختلاف المقدار والقيمة، فعندما يعمل الموظف بكفاءة أكبر من زميله فليس من العدل أن يمنح الاثنين ذات القيمة وذات المميزات وذات العلاوات وذات التقدير، وعندما يخلص المواطن في حق وطنه ويبذل أكثر من غيره فليس من العدل أن تكون قيمته كغيره الذين ربما أساءوا لوطنهم وهم يدركون أو لا يشعرون، فلو لم أعنون المقالة بكلمة المساواة ثم سألت أحدكم ماذا نسمي عدم التفريق بين المحسن والمسيء لاجتمعتم على كلمة سواء: إنه الظلم! نعم هو ظلمٌ في ثوب فضيلة أو جلباب حيلة، ظلمٌ ليس مقصوداً وإنما جرت العادة به لعدم وجود مقاييس واضحة للعدل في أنظمة العمل وفي تعاملاتنا وآرائنا، فالعدل تقدير نسبي يختلف من شخصٍ لآخر، ورغم اختلاف تقديرات العدل فهي أقرب إلى الإحسان من المساواة المزعومة، إن العدل ركن من أركان النماء والبناء، ودافع إلى البذل والعطاء، فإن كانت المساواة نقيض العدل فإننا نتحدث عن معول الهدم، قد تكون المساواة أمراً لا بد منه في مرحلة معينة ولكن يجب ألا تستمر فتطغى على العدل، العدل الذي يمحّص السيئ من الطيب، هنا فقط نستطيع أن نحدد مواضع الخطر فيما يسمى بالمساواة ونكشف بشاعتها التي ارتكبناها في حق أنفسنا.
مشاركة :