لم تكن قد انقضت بضع ساعات على الإعلان عن الإصابة الأولى بفيروس كورونا في لبنان، حتى كانت الكمامات قد فقدت من الصيدليات. ودخل بيعها السوق السوداء، مع معلومات عن تصديرها إلى الصين، ما استدعى إصدار وزير الاقتصاد قراراً بمنع «تصدير أجهزة أو أدوات أو معدات الحماية الشخصية الطبية الواقية من الأمراض المعدية، ومنها: القفازات المطاطية، كمامات الوجه أو أجهزة التنفس، الأقنعة الواقية للوجه». ويقول أحد الصيادلة إنه باع أكثر من 300 كمامة في حوالي الساعة فور انتشار خبر الإصابة الأولى بهذا الفيروس. وأضاف أن «حالة جنون سادت، فسارع الناس إلى شراء الكمامات من دون حاجة غالبيتهم إليها». وأشار إلى أن «ثمن الكمامة كان لا يتجاوز 250 ليرة لبنانية (أي بضعة سنتات من الدولار) في صباح الإعلان عن الإصابة، ليصل ثمنها مساءً إلى أكثر من أربعة دولارات، هذا عدا الترويج لكمامات خاصة يصل ثمن بعضها من 3 إلى حوالي 30 دولاراً، وما إلى ذلك من وسائل تشاطر لربح غير مشروع ومتاجرة بقلق الناس». ولم تسلم «كورونا» اللبنانية من بورصة النكات التي فاضت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كتب أحدهم عبر «فيسبوك» أنه «عطس في قاعة السينما، فالتفت إليه أربعة أشخاص يحيطون به، ليشعر وكأنه مشارك في برنامج «The Voice». آخر كتب: «من عجائب لبنان اعتماد الـCapital Control ورفض تنفيذ الـCORONA Control». ودخل الفيروس سوق التداول السياسي والمذهبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليتناوله كل فريق وفق اصطفافه، فصب الطرف الرافض هيمنة «محور الممانعة» انتقاداته على إيران، وأدانها لتصديرها أول إصابة. وكأن المنتمين لهذا الفريق كانوا ينتظرون أن تأتي الإصابة من إيران تحديداً، ليبني على الشيء مقتضاه. ويفرغون شحنات مواقفهم السياسية الحادة، مطالبين بقطع العلاقات مع إيران ومنع الرحلات إليها. وكتب أحد المغردين أن «مستشار وزير الصحة اللبناني كان آتياً على الطائرة من قم إلى بيروت بسبب رحلاته الدائمة بين لبنان وإيران لنقل الأموال بالدولار من الخزينة اللبنانية لشراء أدوية فاسدة من إيران لدعم خزينتها في التفاف على العقوبات من وزارة الصحة اللبنانية التابعة لحزب الله». في المقابل، ربط بعض الناشطين في «التيار الوطني الحر» بين «كورونا» وبين «النزوح السوري»، وقال أحدهم في مقابلة تلفزيونية إن «تحذير رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار النائب جبران باسيل، كان في محله، إذ كيف يمكن مواجهة الفيروس بوجود النازحين السوريين؟». وشكر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي تولى إعادة عدد كبير من هؤلاء النازحين رغم رفض الفريق الآخر (المتمثل بتيار المستقبل وحزب القوات والحزب الاشتراكي) هذه العودة. جمهور «حزب الله» تعامل بحدة مع من أدان إيران «التي صدّرت متعمّدة» دخول الفيروس إلى لبنان، متهماً من يروج لهذه المقولة بـ«العنصرية والحقد والمؤامرة». وأول الغيث، كان تسجيلاً صوتياً للسيدة المصابة القابعة في الحجر، التي أكدت «أنها سليمة، ووصمها بحمل كورونا ليس سوى مؤامرة على إيران لأنها بقيت 6 أشهر في قم». لتضيف أن «الخبر انتشر قبل صدور نتيجة الفحوصات، مع أني لا أشكو من شيء». ما دفع بعض المغردين إلى نشر صورة جواز سفرها، مع عبارة بأنها تمثلهم، والطلب إليها زيارة المسؤولين السياسيين لنقل مطالب الحراك إليهم، علها تصيبهم بالعدوى. ولم تقتصر نظرية المؤامرة على جبهة المؤيدين لإيران، إذ نشطت الجبهة المقابلة مع انتشار تسجيل صوتي، يؤكد صاحبه أن «الترويج لوصول كورونا في لبنان يصب في خانة القضاء على الانتفاضة الشعبية، واستكمال ما بدأته السلطة من قمع واعتداءات على المتظاهرين وتجنيد المصارف لسرقة أموال اللبنانيين». وطغت أخبار الفيروس على الأزمة الاقتصادية، لتحتل شعارات الحراك في الشارع، فرفع أحد المتظاهرين يافطة كتب عليها «لا لكورونا الفساد والنهب». فيما هتف رفاقه: «كورونا... كورونا... المصارف أكبر كورونا». ونال وزير الصحة حمد حسن نصيباً وافراً من الانتقادات السلبية، وتحديداً تعليقاً على عبارته «لا داعي للهلع» التي تحولت إلى وسم «هاشتاغ» في مواقع التواصل الاجتماعي، تدفقت عبره التعليقات التي تتهمه بأنه يروج لـ«أمان كاذب على اللبنانيين». وتتمنى عليه «لو تخفف من تصريحاتك يا وزير الصحة يكون أحسن بكثير من دعوة الناس المتكررة إلى عدم الهلع؟!» ووصلت الانتقادات إلى مطالبته بالاستقالة. وبقي قرار الحكومة اللبنانية حظر السفر إلى إيران، أول من أمس، غامضاً على الرغم مما جاء فيه لجهة «إيقاف الرحلات الجوية إلى المناطق المعزولة جراء تفشي فيروس كورونا بها، في الصين وإيران وكوريا الجنوبية وعدد من الدول الأخرى، على أن تُستثنى من ذلك حالات السفر الضرورية لدواعٍ طبية والتعليم والعمل». فقد تداول بعض الناشطين ما مفاده أن «التباساً يسود هذه المسألة. إذ لا يزال عدد الرحلات الأسبوعية بين بيروت وإيران ثلاثاً أسبوعياً، و(اليوم) الاثنين 24 الجاري هو موعد وصول طائرة جديدة من إيران إلى بيروت»، مع نسخة من دعوة «حملة زيارات دينية لزيارة إلى طهران ومشهد لمدة أسبوع بتكاليف تتراوح بين 390 و440 دولاراً».
مشاركة :