بدأ «الكباش» المحتدم في لبنان حول القانون الجديد للانتخاب يشي باستجلاب تعقيدات سياسية - دستورية يمكن ان تفضي، بحال اشتدّت لعبة «عضّ الأصابع» من دون ان تنتهي الى مخارج قريبة، الى تداعياتٍ على المناخ الايجابي الذي دخلته البلاد منذ 3 أشهر مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل الرئيس سعد الحريري الحكومة. ويكاد ملف القانون الذي سيحكم الانتخابات النيابية في مايو المقبل ان يختزل كل الأجندة الداخلية وان يحجب الأنظار عن التطورات المتسارعة في المنطقة على خطّ الحرب السورية، والمساعي لحوارٍ إيراني - خليجي وسعودي خصوصاً تولّت الكويت نقل «أسسه» الى طهران، اضافة الى العنوان الجديد الذي شكّله إعلان الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب انه «سيقيم مناطق آمنة في سورية» قبل ان تكشف مسودّة الأمر التنفيذي التي تنتظر توقيعه عن خطّة لتوفير هذه المناطق «في سورية وفي المنطقة المحيطة (بحيث) يمكن فيها للمواطنين السوريين الذين نزحوا من وطنهم انتظار توطين دائم مثل إعادتهم لبلادهم أو إعادة توطينهم في بلد». واذا كانت المناطق الآمنة من الزاوية التي كُشف عنها تعني لبنان الذي يستقبل نحو 1.5 مليون نازح سوري وهو ما استدعى تحذيراً من الرئيس السابق ميشال سليمان الذي أكد «لن نقبل بمناطق آمنة للاجئين السوريين في لبنان تمهيداً لتوطينهم في أماكن وجودهم»، فإن مجمل مآل الحرب في سورية ومحاولات تبريد التوتّر الايراني - السعودي التي تأتي في ظلّ استشعار طهران بخطورة ان تكون موسكو هي المتحكّمة في النهاية بخيوط اللعبة الديبلوماسية - السياسية في سورية انطلاقاً من وزنها الدولي ومصالحها في أكثر من ساحة، لا بدّ ان تصيب بدورها «بلاد الأرز» التي رغم «فصْلها» عن المسار المتفجّر لأزمات المنطقة، إلا انها تبقى في قلب دائرة التأثُّر المباشر بكلّ تغيُّر في «اتجاهات الريح» سواء في منحى انفراجي او انفجاري ولا سيما انها نقطة تقاطُع في المصالح بين كل من السعودية وايران، كما ان أحد مكّوناتها الذي يشكّله «حزب الله» هو أحد العناصر «المؤثّرة» ميدانياً في أكثر من «ميدان لاهب». وانطلاقاً من هذه المشهدية المتحرّكة، يبرز بوضوح وجود محاولة داخلية وخصوصاً من القوى المسيحية الوازنة للاستفادة من زخم التسوية التي أفضت الى إنهاء الفراغ الرئاسي ومن الاحتضان العربي والدولي لها لاستيلاد قانون جديد للانتخاب تعتبره هذه القوى «مصحِّحاً للتمثيل» (الطائفي) ومن مفاتيح تصويب قواعد الشراكة الوطنية واحترام الميثاقية «الفعلية»، في وقتٍ يبدو الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط أكثر المتوجّسين من قانونٍ يصعب ان يمرّ ما لم يتم إدخال نظام الاقتراع النسبي اليه ولو جزئياً، وهو ما يرى انه في المبدأ يمكن ان يساهم في وضع زعامته التاريخية والمكوّن الدرزي أمام خطر «الذوبان»، وخصوصاً بعدما أنهى المسار الذي أفضى الى انتخاب عون الاصطفاف السياسي الذي كان قائماً بين فريقيْ 8 و 14 آذار وفتح الباب امام تحالفاتٍ جديدة خسر معها جنبلاط دور «بيضة القبان» الذي لطالما شكّل «ورقة القوة» في موقعه «الذي لا يُستغنى عنه» داخلياً. أما «حزب الله» والرئيس نبيه بري، فيعتمدان سياسة «دفْع المركب من الخلف»، فإذا أفضت النقاشات الى قانون جديد على أساس النسبية الجزئية يكون هذا الثنائي حقّق واحدة من أهدافه الرامية الى «الأكل من صحن» الرئيس الحريري، وإذا بقي الوضع على حاله فهو حدّد كما شريكه في الثنائية الشيعية أولوية إجراء الانتخابات في موعدها وفق القانون النافذ (الستين) على ايّ تمديد ثالث للبرلمان (من خارج قانون جديد)، وهو ما يساهم في مراعاة مقتضيات التبريد الداخلي وخصوصاً مع «المستقبل» في لحظة مساعي ايران لمعاودة تطبيع العلاقات مع الرياض ودول الخليج. وتحت سقف هذه «الثوابت»، تَفاعل تهديد الرئيس عون قبل ثلاثة أيام بالفراغ في السلطة التشريعية ما لم يتمّ إقرار قانون جديد للانتخاب وتلويحه بممارسة صلاحياته «التوقيعية» لقطع الطريق على اي انتخابات وفق القانون النافذ كما على اي تمديد لمجلس النواب، وهو الأمر الذي أثار لدى أكثر من فريق سياسي غير مسيحي انزعاجاً أثيرت معه مسألة صلاحيات الرئاسة واين تقف في حدود تعاطيها مع السلطة الإجرائية التي تتشكّل، وفق اتفاق الطائف، من الحكومة ورئيسها. واذ نُقل عن مصادر سياسية مشارِكة في الحكومة ان تلويح رئيس جمهورية بالفراغ «أمر لا يجوز من رأس الدولة المؤتمن على الدستور وتداول السلطة»، لمّحت تقارير الى ان مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيديريكا موغريني خلال محادثاتها مع عون استكشفت خلفيات كلامه والمناقشات حول قانون الانتخاب، مؤكدة أهمية الحفاظ على الاستقرار المؤسساتي كما الأمني. وفيما لفت تحذير منسق الأمانة لقوى «14 آذار» فارس سعيْد من ان «الفراغ أوصل العماد عون الى بعبدا، والفراغ قد يوصل لبنان الى مؤتمر تأسيسي، ولان الدستور لا يتكلم عن فراغ قد نصل الى أزمة وطنية»، وفي حين غادر الرئيس الحريري لبنان لبضعة ايام في زيارة خاصة الى باريس، فإن دوائر سياسية ترى ان «اندفاعة» عون هي في سياق رفْع الضغط الى أعلى مستوى للدفع نحو إصدار قانون جديد تكثّفت الاتصالات واللقاءات امس في محاولة للوصول الى صيغة توافقية له. وفي حين انعقد اجتماع ثان لممثلين لكل من الرئيس الحريري والرئيس بري و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون)، فإن معلومات اشارت الى ان النقاشات التي كانت تركّز على خيار التأهيل على مستوى القضاء مع الاقتراع بالأكثري والانتخاب على اساس المحافظة بالنسبي، باتت تتمحور حول صيغة لقانون مختلط يقوم على انتخاب 64 نائباً على اساس الأكثري و 64 وفق النسبي (وهو ما كان اقترحه الرئيس بري سابقاً) مع توزيع لنسب كل من نظاميْ الاقتراع على تسع محافظات تضمّ الاقضية الـ 26 التي كانت اعتُمدت في انتخابات 2009 (قانون الستين) ومع جمْع قضائيْ الشوف وعاليه في محافظة واحدة جديدة وفق ما يطالب به النائب جنبلاط باعتبارهما منطقة نفوذه. ويُلاحظ من هذه الصيغة التي ما زالت قيد النقاش المكثّف ان الشوف وعاليه اللتين تتمثلان بـ 13 نائباً بينهم 4 دروز اختير لها 11 نائباً يُنتخبون بالنسبي و2 بالأكثري (درزيان)، وهو الأمر الذي يفترض ان لا يقبل به جنبلاط الذي عبّ أكثر من مرة عن رفْضه الكبير للنسبية باعتبارها استهدافاً لوجود طائفته، كما ان ثمة تفاصيل في هذه الصيغة تبقى عرضة لتجاذبات ذات صلة بأكثر من دائرة وأي مقاعد تُنتخب بالأكثري وأيا بالنسبي، الى جانب «وحدة المعايير» على هذا الصعيد مناطقياً. وبرز امس، موقف لعون شدد فيه «على أن موقفه بضرورة إقرار قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة سبق أن أكده في خطاب القسم، وهو ليس موجها ضد أي طائفة أو مكون سياسي، بل غايته احترام الميثاق الوطني والدستور وتحصين الوحدة الوطنية»، موضحاً «ان النسبية في القانون تسمح بتمثيل الاكثريات والاقليات في كل الطوائف من دون تهميش او إقصاء أحد»، ومضيفاً: «إذا كان لدى أحد صيغة لقانون يحقق العدالة أكثر فليطرحها للنقاش الوطني». وكان ملف قانون الانتخاب محور لقاء بارز عُقد اول من امس، في معراب التي توجّه اليها وفد باسم جنبلاط تقدّمه نجله تيمور حيث كان اجتماعا مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي يشكّل مع عون «رأس حربة» الساعين الى قانون انتخاب جديد، وانتهى الى تأكيد تفهم هواجس جنبلاط وضرورة الخروج بقانون جديد يحظى بالتوافق.
مشاركة :