محمود عبدالله (أبوظبي) في العشرين من يونيو 2007، رحلت الشاعرة العراقية «نازك الملائكة» في القاهرة بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وقد اختار لها والدها هذا الاسم تيمنا بالثائرة السورية «نازك العابد» التي قادت الثوار السوريين في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي في العام الذي ولدت فيه الشاعرة في بغداد 1923. الشاعرة الراحلة التي حازت جائزة البابطين عام 1996، كانت من أهم من كتب الشعر الحر في قصيدتها «الكوليرا» عام 1947، وأنجزتها في فترة زمنية مقاربة للشاعر بدر شاكر السيّاب، والشاعرين: عبدالوهاب البياتي، وشاذل طاقة، وقد سجّل الشعراء الثلاثة بوصفهم رواد الشعر الحديث في الأدب العربي. فيما اعتبر عديد النّقاد قصيدة «الكوليرا» ثورة على القصيدة العربية القديمة، كما أسهمت فيما بعد في إطلاق الشعر العربي من الشكل الكلاسيكي للقصيدة العربية، ومهدت لظهور القصيدة الحرة في مسيرة عدد من الشعراء العراقيين والعرب من مثل: البياتي، وبلند الحيدري، صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطي حجازي، محمود درويش، وغيرهم. كانت نازك الملائكة من أوائل المثقفات العراقيات اللواتي أنهين دراستهن الثانوية والجامعية، فقد درست الأدب واللغة العربية، وتخرجت عام 1944، ثم انتقلت إلى دراسة الموسيقى، ثم درست اللغات اللاّتينية والإنجليزية والفرنسية، ثم انتقلت لتدريس الأدب العربي في جامعات بغداد والبصرة والكويت، وانتقلت للعيش في بيروت لمدة عام واحد، ثم غادرت إلى القاهرة عام 1990 على خلفية حرب الخليج الأولى، وظلّت فيها حتى رحيلها بعيدا عن الوطن، بعد أن أنجزت أهم مجموعاتها الشعرية: عاشقة الليل 1947، شظايا ورماد 1949، قرارة الموجة 1957، شجرة القمر 1965، مأساة الحياة وأغنية للإنسان 1977، للصلاة والثورة 1978، يغيّر ألوانه البحر 1970. والملائكة إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فلها إسهامات نقدية قيّمة من خلال مجموعة كتب أصدرتها ومنها: قضايا الشعر الحديث 1962، والتجزيئية في المجتمع العربي 1974، وكتاب الصومعة والشرفة الحمراء، وسيكولوجيا الشعر 1992. كما صدر لها في القاهرة مجموعة قصصية بعنوان «الشمس التي وراء القمة». نازك الملائكة، ونحن نعيش ذكرى رحيلها الثامنة، جمعت بين نوعين من النقد، نقد النقاد ونقد الشعراء، أو النقد الذي يكتبه الشعراء، فهي تمارس النقد بصفتها ناقدة متخصصة وأكاديمية (حصلت على درجة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونسن الأميركية، وهي أستاذة جامعية لها مكانتها في الوسط الأكاديمي، وهي فنانة كما يقال - في فن إلقاء المحاضرة الأكاديمية في النقد)، وأيضاً بصفتها مبدعة منطلقة من موقع إبداعي وخصوصا الشعر الحديث، لأنها شاعرة سامقة لامعة في هذا اللون، الذي ترى فيه بعداً فنياً حراً لا يعرف الحدود أو القيود، كما أنها نموذج إبداعي خلاّق يترجم صورة حقيقية عن الذات والواقع. إن المطلع والمواكب لتجربة نازك الملائكة الشعرية يجد أنها بشكل عام تناولت معظم الأغراض الشعرية الوجدانية، ولكنها كانت الأقوى والأعمق عندما عبرت عن وجدانها القومي، وتقف قصيدتها «الكوليرا» التي جسدت تعاطفها مع الشعب المصري عام 1947 عندما انتشر وباء الكوليرا في مصر وحصد الآلاف من أبنائها في طليعة قصائدها في هذا الاتجاه.
مشاركة :