اختتمت فعاليات الدورة الثانية من «ملتقى القاهرة الدولي لتفاعل الثقافات الأفريقية»، التي عقدت على مدار 3 أيام نهاية الأسبوع الماضي بمقر المجلس الأعلى للثقافة بأمانة د. محمد عفيفي، ولاقت الدورة مشاركة واسعة من 100 باحث يمثلون مختلف أطياف المثقفين والأكاديميين الأفارقة من 22 دولة، وحققت نجاحا على مستوى النقاشات والمستوى التنظيمي. ADVERTISING وأعلن مقرر المؤتمر د. حلمي شعراوي البيان الختامي متضمنا 12 توصية، كان أهمها إنشاء «متحف حضارة» ومراكز بحثية تدعم عمليات الدراسات العلمية الضرورية وتوثيق الوقائع الثقافية للشعوب الأفريقية. وأوصى المشاركون باحترام التنوع الثقافي، آملين أن يتم في إطار تكاملي بين الآداب والفنون وتحقيق المعرفة العلمية. وإصدار موسوعات علمية تنطلق من قضايا التاريخ الأفريقي والحساسيات المرتبطة بكتابته. كما أوصوا بإنشاء قاعدة بيانات للثقافات والفنون والآداب توفر بيئة للالتقاء المباشر بين الجماعات الثقافية وعناصرها الشبابية. وتفعيل دور الشباب في الإنتاج الثقافي والأدبي والاستجابة الرشيدة لطموحاتهم لما قاموا به من إحداث تغيير في الأجواء السياسية والاجتماعية والثقافية. وتوفير الموارد المادية وتشجيع الإمكانيات البشرية لنشر إبداعات مختلف الثقافات وتيسير توزيعها. والعناية بكل الآليات الضرورية التي توفر ترجمة الأعمال الأدبية والفنية وبالوسائل الحديثة المختلفة بين كل مختلف اللغات الوطنية الأفريقية والتبادل معها. وطالب المشاركون بعدم الفصل بين قضايا الثقافة والإعلام لتأثيرهم الكبير في تكوين الشخصية الأفريقية والحفاظ عليها ضد مخاطر العولمة. وشددوا على إطلاق حرية التعبير في مجالات الفنون والرأي باعتبار ذلك ليس مجرد مطلب سياسي، ولكن لأنه معطى من معطيات الهوية الإنسانية والتقدم الإنساني. واقترح البيان الختامي إقامة إدارات للعلاقات الخارجية في الدول الأفريقية لتسيير الاتصال والعمل المشترك والتقاء المثقفين. وأوصى بدعم كل أشكال الحوار بين الثقافات الأفريقية بما يتضمنه ذلك من مؤتمرات متخصصة، وورش عمل، ومهرجانات، وندوات، وأكد على أهمية دورية الملتقى على أن يعقد كل عامين. وقد أقيم على هامش الملتقى أسبوع «سحر السينما الأفريقية» بمركز الإبداع وسينما الهناجر، عرضت فيه أفلام من مصر ونيجيريا ورواندا والجزائر وبوركينا فاسو والنيجر وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية والسنغال وإثيوبيا وليبيريا وتونس وكينيا. من جهة أخرى، أصدر المجلس الأعلى للثقافة 4 إصدارات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية بمناسبة انعقاد الملتقى، تمثل دراسات متعمقة في قضايا الهوية الأفريقية وتراث الحكي الشعبي الأفريقي، والحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي في القارة السمراء في العصر الحديث. وصدر أيضا بالفرنسية كتاب د. أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة، ويحمل عنوان «استقبال الحداثة: تاريخ الفكر المعاصر في مصر». قسم الكتاب لخمسة أقسام، تناول القسم الأول إرهاصات الفكر الحداثي عند كل من رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني. وتناول القسم الثاني آفاق الليبرالية في مصر عبر التعليم والحركات التحريرية النسائية، فيما تناول القسم الثالث رحلة الفكر العلماني والداروينية، وفكر عصر النهضة، والفكر الاشتراكي والماركسي واللينينية. وناقش القسم الرابع العلاقة الجدلية ما بين الأدب والمجتمع، وما بين الفلسفة والسياسة. أما القسم الخامس فقد سلط الضوء على صراع الهوية والحداثة في مصر في الفترة ما بين 1923 وحتى 2012. وصدر كذلك كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان «الفكر السياسي والاجتماعي في أفريقيا» قدم له د. سمير أمين، الذي تحدث عن «بدائل النظام النيوليبرالي للعولمة». وقسم الكتاب إلى 16 فصلا، منها: العلاقات الأفريقية - العربية من الليبرالية إلى العولمة، وذكريات أفريقية حول ثورة يوليو، والقومية المصرية وأفريقيا، ومهدي بن بركة من باندونج إلى هافانا، وإسرائيل والإمبريالية التوسعية. وتناول الكتاب أيضا الثقافات المحلية والتحديات الثقافية في القارة أمام العولمة، والثورات الأفريقية. وصدر كتاب آخر للدكتور حلمي شعراوي بعنوان «البحث عن الهوية الأفريقية في مخطوطات بالحرف العربي (العجمي)»، يستعرض فيه نماذج من تراث مخطوطات جمعت بواسطة عشرات الباحثين من 16 لغة، انتقى منها مخطوطات بثلاث لغات فقط هي: الملجاشية، والكانوري، واليوروبا، وتمثل نتاج بحث استمر على مدار 10 سنوات، على أن يتم إصدار جميع النماذج في مجلدين. يحاول الكتاب تسليط الضوء على الحضور التاريخي المبكر للشعوب الأفريقية قبل التاريخ الكولونيالي وقبل الكتابة بالحرف اللاتيني. ويقدم قراءة في التفاعلات الثقافية العربية والأفريقية. ويكشف الكتاب عن التجاهل المتعمد للمخطوطات الأفريقية التي كتبت بالحروف العربية، ومن الأسباب التي أشار إليها: ارتباطها بالتأريخ لحركة الجهاد في مقاومة الاستعمار، أو مقاومة تحريف الدين أو الخروج عليه كأداة تماسك اجتماعي في فترات ضعف الممالك الإسلامية الأفريقية، وتجاهل الإدارة الكولونيالية لهذا التراث، والاكتفاء بالمصادر العربية ذات الطابع الاستكشافي (كتب الرحلات) التي ترجم منها الكثير خلال التوسع الاستعماري. وهو الأمر الذي كان يراد منه إدماج الأفارقة في الثقافة الأوروبية عن طريق الكتابة بالحرف اللاتيني. ويشير المؤلف إلى أن البحث الوطني الجاد في نيجيريا والسنغال، كشف عن مخطوطات تخص ممالك أفريقية منذ القرن الرابع عشر والسابع عشر (كانم - بورنو - الماندنج). يضع المؤلف بين أيدي الباحثين، أفارقة وعربا، مخطوطات نادرة بعضها ذو طابع شعبي (قصة جماعة الأنتيمورو في مدغشقر)، وقصة شعب الهوسا، وبعض النصوص لرسائل وحوارات مع الحكام أو فتاوى شرعية ذات طابع اجتماعي. وفي القسم الثاني من الكتاب وضع نموذج المخطوطة مترجما بالعربية والإنجليزية والفرنسية. أما الكتاب الآخر الصادر بالعربية، فجاء بعنوان «أبو زيد في برنو: أربع حكايات عنه بعربية الشوا» وهو كتاب مترجم عن كتاب المؤلف الإنجليزي ج.ر. باترسون، كتب مقدمته ر. بالمر، وقد حرره بالعربية د. عبد الحميد حواس. وتعود لهجة الشوا إلى نيجيريا، وقد أشار المحرر إلى أن هذه النصوص تم جمعها ليس بغرض التوثيق وإنما لغرض القراءة والمطالعة في المدارس المحلية في إطار سياسات التعليم الاستعمارية الإنجليزية، بقصد تكريس حالة التخلف والانغلاق على المعرفة المحلية بدعاوى المحافظة على الهوية وصون العامية. يستعرض الكتاب قصصا لأبي زيد الهلالي تروى بلهجة الشوا وهي اللغة المتداولة في السودان وتشاد وشمال شرقي نيجيريا وبعض الولايات المجاورة لها. وقصة أبو زيد الهلالي التي تروى بصيغتين: الشامية والحجازية، تم تداولها لتروي حكاية هجرة أفراد قبيلة «بني هلال» ما بين بلدان آسيا وأفريقيا، متخذة شكل ملحمة نثرية. ويستعرض الكتاب كذلك حكاية «أبو زيد ودياب»، و«أبو زيد مع نجم»، و«أبو زيد وجنق حديد»، و«أبو زيد ودياب وأولادهما». وتأخذنا هذه الحكايات إلى أجواء تاريخية لقبيلة كبيرة متفرعة من قبيلة قيس، كانت منازلها في القرن السابع بالقرب من الطائف في السهول التي تفصل تهامة عن نجد. وبعد ظهور الإسلام بدأوا في النزوح إلى سوريا، وحينما غزا الفاطميون سوريا قاموا بترحيلهم إلى صعيد مصر، ومن هناك انتشروا نحو بلاد المغرب العربي.
مشاركة :