العالم يدخل عصرا جديدا مع ولادة «التوائم الرقمية»

  • 3/2/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مؤلفو الخيال العلمي يجدون متعة غير متناهية في تخيل حقائق بديلة وعوالم موازية. اليوم نحن نبنيها في شكل رقمي. مع توقع ارتفاع عدد الأجهزة المتصلة إلى 42 مليار جهاز بحلول عام 2025، وفقا لمجموعة الأبحاث "آي دي سي"، نحن ندخل بسرعة في عصر "البيانات المتوالدة". كل من هذه الأجهزة يصدر تدفقا ثابتا من البيانات، ما يمكننا من إنشاء سحابة رقمية تحوط كوكبنا مجازيا. يمكننا، باستخدام الاصطلاح، إنشاء "توائم رقمية" للعالم الحقيقي. ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، وصف فوائد هذه التوائم الرقمية خلال حديث في نيويورك في الآونة الأخيرة، واصفا إياها بأنها أحد أكبر الاتجاهات التكنولوجية. إشارة إلى روبرت جوردون، المؤرخ الاقتصادي الذي سلط الضوء على تعطل الابتكار، اعترف ناديلا أن كثيرا من الاقتصادات تشهد نموا خاملا في الإنتاجية. لكنه جادل بأن عمليات التمثيل الرقمي المتطورة متزايدة للعالم الحقيقي، التي تعززها قوة الحوسبة الشاملة وتعلم الآلة، ومن شأنها تحسين تدفق المعلومات وتحفيز النمو الاقتصادي. التوائم الرقمية يمكن أن تحقق فوائد بيئية كبيرة. "البتات (أصغر وحدة بيانات في الكومبيوتر) ستساعد الذرات لتكون أكثر فاعلية من خلال سد الفجوة بين التواصل عبر الإنترنت، ومن دون إنترنت". مثلا، أشار إلى متجر التجزئة في المملكة المتحدة "ماركس آند سبينسر"، الذي يستخدم بزيادة أجهزة الاستشعار داخل المتجر لإنشاء توائم رقمية للمساحة داخل المتجر. يمكن بعد ذلك استخدام نماذج البيانات هذه لتحسين التخطيط المادي لمتاجرها، ومراقبة درجة حرارة مبردات اللحوم، ومراقبة الطوابير عند المخارج. بالمثل، يمكن للمصانع أن تعمل بكفاءة أكبر، وتحد من النفايات إذا كان مشغلوها قادرين على تدوير المفاتيح في أجهزة المحاكاة الرقمية، واختبار طرق لتحسين معدل التشغيل. "هذا يغير إنتاجية المصانع"، حسب قول ناديلا. آخرون يتحدثون عن التوائم الرقمية التي تمثل "الموجة الثالثة" للإنترنت، بعد البحث ووسائل التواصل الاجتماعي. عالم الإنترنت سيتطور من إنترنت المستهلك إلى إنترنت الشركات، ما يؤثر كثيرا في الطريقة التي ندير بها الطرق والسكك الحديدية والمطارات والمناجم والمصانع والمستشفيات ومحطات الطاقة ومراكز التوزيع ومشاريع البناء والمدن. "العالم الحقيقي كان دائما بلا اتصال بالإنترنت. نحن الآن نجعله متصلا بالإنترنت"، حسبما يقول جيمس دين، المؤسس المشارك لـ"سينسات" SenSat، شركة بيانات جغرافية مكانية في لندن تدعمها شركة تينسنت الصينية، تستخدم طائرات من دون طيار، وصور الأقمار الصناعية لرسم خرائط البنية التحتية. "إذا استطعنا إنشاء تصوير رقمي للعالم وإضافة بعض التحليلات غير التقليدية، فهذا يعطينا قوى عظمى رقمية". يقول دين، إن التوائم الرقمية يمكن أن تحول صناعة البناء، التي لديها سجل إنتاجي مروع. "سينسات" تبني أنموذجا لمسار خط السكك الحديدية "إتش إس 2" HS2 المقترح الذي يمتد من لندن إلى الشمال الغربي من بريطانيا، ما يؤدي إلى إنشاء نحو 18 مليار نقطة بيانات. من شأن ذلك أن يساعد البنائين على مراقبة تقدم المشروع المثير للجدل، لضمان سير العمل بطريقة أكثر سلاسة، وهو أمر مهم نظرا إلى التجاوزات الكبيرة والمتزايدة في تكلفة المشروع. الرؤية الكامنة وراء التوائم الرقمية ملهمة، لكن التجربة المزعجة لإنترنت المستهلك خلال العقدين الماضيين ينبغي أن تنبهنا إلى المخاطر المحتملة. تقول أسو أوزداجلر، أستاذة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ونائبة عميد كلية شوارزمان للحوسبة الجديدة التابعة للمعهد، إن جميع هذه النظم المعقدة لا يمكن التنبؤ بها أصلا. "الإثارة الناشئة عن كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحول المجتمع، حقيقية للغاية"، مضيفة: "لكن يجب علينا أن ندرك أيضا عواقبها السلبية المحتملة". المخاوف الواضحة هي الأمن والخصوصية والمراقبة والأخلاقيات التي تجب معالجتها قبل نشر هذه الأنظمة. وتحذر أوزداجلر من أن "تعاقب" المشكلات يمكن أن ينشأ أيضا عن الترابط الشديد. فكر في أنظمة الملاحة في السيارة، تطبيق ويز Waze، مثلا. على الرغم من أنها تعد بالحد من التأخير الذي يواجه السائقين، إلا أنها أحيانا توجه حركة المرور عبر شوارع في المناطق السكنية حيث يلعب الأطفال. يمكن أن تثبت أيضا أنها تؤدي إلى نتائج عكسية من خلال تشجيع سلوك القطيع. يمكن للسائقين أن يملأوا الطرق "الأسرع"، ما يؤدي إلى تفاقم الازدحام. في بعض الأحيان تكون المعلومات الأقل أكثر فائدة. تقول أوزداجلر: "يجب عليك بناء نماذج مصممة بعناية وملاحظة الأدلة التجريبية. كلما قدمت حوافز، فإنك تحصل على بعض النتائج غير المقصودة". الهدف الواضح الذي تسعى إليه كلية شوارزمان، التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هو المزج بين رؤى علماء الكمبيوتر وعلماء الاجتماع لمواجهة هذه التحديات المعقدة. هدفها هو إنتاج خبراء "ثنائيي اللغة". الصناعة يجب أن تفعل الشيء نفسه. إنترنت المستهلك، المبني على شعار "تحرك بسرعة وحطم الأشياء"، حطم كثيرا من الأواني الفخارية. يجب أن يثبت إنترنت الشركات باستمرار قيمته الاجتماعية في العالم الحقيقي.

مشاركة :