بدا العراق الإثنين وكأنه يسير إلى المجهول بعد اعتذار رئيس الوزراء المكلّف محمّد علاوي عن تشكيل حكومة مع استمرار الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات سياسية شاملة وتغيير للطبقة السياسية المتمسكة بالسلطة. ويشهد العراق احتجاجات غير مسبوقة تراجعت وتيرتها خلال الأسابيع الأخيرة، لكن كانت تخللتها مواجهات تسببت بمقتل نحو 550 شخصاً وإصابة ما لا يقل عن ثلاثين ألفاً أغلبهم من المتظاهرين. واستقال رئيس الحكومة عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع. وكلف علاوي تشكيل حكومة، لكن المحتجين اعترضوا على تسميته، معتبرين إياه من الطبقة السياسية التي يرفضونها. علماً أن تسميته تسببت بانقسام بين المتظاهرين، إذ انسحب من الحراك في الشارع انصار رجل الدين مقتدى الصدر الذي أوقف دعمه للحراك بعد تسمية علاوي. ويزيد من أجواء التوتر والأزمة وصول فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) إلى العراق وقد أصاب أكثر من عشرين شخصاً حتى الآن، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط الذي يمثل المورد الرئيسي لميزانية البلاد. وقال سياسي كبير رفض الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس "المسؤولون يعيشون داخل فقاعة"، بعيدا عن كل ما يحدث. وأضاف أن عبد المهدي وحكومته "مستمرون كأن شيئا لم يحدث". وأعلن عبد المهدي الذي استقال في كانون الأول/ديسمبر في رسالة وجهها الى رئيسي الجمهورية والبرلمان أنه سيلجأ الى الى "الغياب الطوعي" وطلب تكليف أحد الوزراء إدارة جلسات مجلس الوزراء بدلا عنه. لكن البيان أشار الى أن عبد المهدي سيتعامل مع الأمور الحصرية العاجلة والضرورية بما يتوافق مع صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اليومية، وذلك منعا من حصول أي فراغ في السلطة التنفيذية. واقترح عبد المهدي تحديد الرابع من كانون الأول/ديسمبر موعداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ودعا إلى حل البرلمان قبل 60 يوما من تاريخ إجرائها. وأعلن علاوي في كلمة متلفزة الأحد أنه عدل عن تشكيل الحكومة. وقال "للأسف الشديد، كانت بعض الجهات تتفاوض فقط من أجل الحصول على مصالح ضيّقة دون إحساس بالقضيّة الوطنيّة". وعلّق الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر في بيان قائلا "إلى متى يبقى الغافلون ممن يحبون المحاصصة، ولا يراعون مصالح الوطن يتلاعبون بمصائر الشعب؟ وإلى متى يبقى العراق أسير ثلّة فاسدة؟".متظاهرو العراق لا يخشون كورونا ويعتبرون أن السياسيين هم "الفيروس الحقيقي"شاهد: فيروس كورونا ينشر الرعب بالنجف ويشل حركة السياحة الدينية بالعراقواشنطن تفرض عقوبات على الأمين العام لكتائب حزب الله العراقي الموالي لطهران وكلف علاوي مطلع شباط/فبراير بتشكيل حكومة، وأعدّ قائمة بالمرشحين إلى المناصب الوزارية قال إنهم مستقلون تكنوقراط، وهو أحد مطالب المحتجين. لكن البرلمان الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث، فشل ثلاث مرات في الالتئام خلال الأسبوعين الماضيين للتصويت على منح الثقة للتشكيلة الحكومية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني. وفي ظل هذه الفوضى السياسية، لا يوجد نص في الدستور ينص بوضوح على كيفية التعامل مع مثل هذه الأزمة. وأصبحت الكرة اليوم في ملعب الرئيس العراقي برهم صالح الذي يفترض أن يقدم مرشحاً جديداً لتشكيل الحكومة في مهلة 15 يوماً. وسيبدأ رئيس الجمهورية مشاورات لاختيار مرشّح بديل، بحسب ما جاء في بيان صادر عن مكتبه. وبين المرشحين الذين يتم التداول بأسمائهم رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، وفقا لمصادر سياسية. في غضون ذلك، تتواصل الاحتجاجات في ساحة التحرير في وسط بغداد. وقال متظاهر يعرف نفسه باسم محمد (21 عاما) لوكالة فرانس برس "الشعب يريد شخصاً لم يشغل منصباً على الإطلاق". ودعا عدد كبير من المتظاهرين الى ترشيح الناشط علاء الركابي، وهو صيدلي من مدينة الناصرية التي تعد إحدى أبرز مدن الاحتجاجات وتقع في جنوب البلاد. وقالت المتظاهرة رقية (20 عاما) "الأحزاب السياسية تبحث عن مصالحها الخاصة، ولا تستمع لرأينا أو مشاكلنا في هذا البلد" الذي يعاني فيه من البطالة واحد من كل أربعة شباب، ويعيش فيه على خط الفقر واحد بين كل خمسة اشخاص رغم كونه من أبرز الدول النفطية. ويقول المحلل السياسي حميد أبو نور لفرانس برس "حاول علاوي التوفيق بين مصالح الأحزاب ومصالح الناس لكسب الشارع لكنه فشل في الأمرين". ويرى المحلل أن كل من سيأتي بعده، ستكون مهمته صعبة. ويسعى كثيرون إلى أن يعمل رئيس الوزراء القادم على السير بالبلاد نحو إجراء انتخابات مبكرة لتغيير النظام السياسي المتهم بالفساد وعدم القدرة على تلبية مطالب العراقيين. ويقول نور "الانتخابات وحدها قادرة على تغيير الوضع، لكن إجراءها بحاجة الى تشكيل حكومة". وتتنافس الأحزاب على المناصب الوزارية في بلد يأتي في المرتبة الـ16 بين الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث "تُباع" المناصب الوزارية و "تشترى" الوظائف.
مشاركة :