لا شك في ذلك: لكل كاتب تجربته الروائية البعض من تلك التجارب تبدو جيدة نوعاً ما البعض منهم أيضا ليس بذاك السوء، وعلى مدار تاريخ الإبداع لا بد أن لكل كاتب سقطة فنية، أحياناً تأتي إليه بشراسة؛ ليستيقظ بشكل أجمل لاحقًا، يستيقظ بالكثير من الوعي، إلا أن البعض منهم يحتاج أكثر من سقطة في مأزق الكتابة الإبداعية كي يعرف أنها ليست بذلك البساطة المتوقعة!. طاهر الزهراني أحد كتاب الرواية في السعودية وأصدر عدة روايات، آخرها كانت رواية «الميكانيكي» الصادرة عام 2014م والتي كان لنا معه هذا الحديث حولها، متناولين الكثير من الجوانب الإشكالية التي تبدو محيرة للقارئ في بعض الأحيان: * لماذا يكتب طاهر الزهراني رواية بعنوان "الميكانيكي" ويهديها إلى عمال الدنيا، هل هذا مجرد تعاطف إنساني مع هذه الفئة التي يمكن اعتبارها مهمشة اجتماعيا؟. - نعم هو انحياز متطرف لهذه الفئة، التي لم تسلم من نظرتنا الطبقية المصادِرة لها. * ميكانيكي طاهر الزهراني لا يبدو ميكانيكيا عاديا بل هو مثقف وصاحب لغة عالية وثقافة سينمائية جيدة كيف يمكن الجمع بينهما؟. - شخصية «عادل» في الرواية كانت متخيلة وقريبة، وجعلت له هذه المهنة، انحيازاً إلى مهنة كنت أحبها في وقت من الأوقات، فالوالد -رحمه الله- كان من خريجي المعهد المهني بجدة، وأذكر أن من أجمل الصناديق التي مرت عليّ في طفولتي، صندوق العدة الخاص بأبي، والذي كان يقبع تحت درج بيتنا، وكان حريصاً جداً على جمع أكبر قدر من الأدوات، و ترتيبها وتنظيفها، وكان لبعضها بريق مدهش، وترك أبي العبث بالسيارات عندما بترت إصبعه ذات يوم وهو يصلح سيارته، أيضاً في مراهقتي كنت أساعد خالي، الذي كان يعمل ميكانيكياً في قطاع عسكري، في إصلاح سيارته كثيرة الأعطال، وهذا ما جعلني أكتب عن هذه المهنة تحديداً. ثم إني أستمتع كثيراً عندما أذهب إلى أماكن الورش، وأحاول أن أقضي وقتاً أطول معهم، ربما هذه المهنة كانت الأقرب إليّ من أية مهنة أخرى. كما أن لدي صديقا ميكانيكيا مطلعا على الأدب، ويمارس كل متع الحياة، في فضلة وقته، بعيدا عن وعثاء المهنة، وبعيدا عن التصور السائد لمن يمارس هذه المهنة. * تبدأ الرواية ببداية تقريرية نوعا ما هل كنت واثقا من الاحتفاظ بالقارئ على الرغم من هذه المقدمة؟ وهل تعتبر التقريرية عيبا فنيا؟. - بصراحة، نعم كنت واثقا من الاحتفاظ بالقارئ، فالمناخ في الرواية كان جديدا، أردت أن أكتب المدخل بهدوء، وأنهي الرواية بهدوء، وإن كان هناك مبرر آخر فأزعم أن الشعور بالصدق وأنا أكتب سيصل للقارئ. * لم يتم توظيف الخلفية الميكانيكية لبطل الرواية إلا في خطوط عامة ومساحة قليلة هل هذا عائد إلى ضعف معرفة المؤلف بهذا المجال؟ ألم يكن ذلك خيطا فنيا مهما بيد المؤلف كان يجب استثماره؟. - تحدثت في الفصول الأولى من الرواية عن أجواء المهنة ومثابرة الميكانيكي وعصاميته، الميكانيكا وحياة الورش هي ثيمة الرواية أو تأطير للحدث؛ لأن محور الرواية هو علاقة الحب، ثم يأتي تطعيم الأجواء بعد ذلك بالمهنة، فالحديث عن الورش جاء في البداية كمدخل للرواية، وفي منتصفها أثناء الغياب، ثم في آخر الرواية كهروب من الذكرى. نعم عانيت من المحدودية والشح، وضيق العوالم في الحديث عن الورش، وأعترف أن هذا النوع من الكتابة بحاجة إلى روائي بارع، وأنا لا زلت في طور التجربة. * كانت الرواية عبارة عن حكاية حب حالمة وشاعرية وبسيطة وتفتقد للعمق ما تعليقك؟ وهل كان ذلك متعمدا؟. - نعم هي رواية بسيطة، كنت أعي هذا من البداية، لم أرد أن أرهق القارئ، ولم أراع النخبوي، ولم ألتفت للنقاد، ولم أفكر بجوائز، ولا لجان تحكيم، كتبت هذه الرواية بمتعة، وكان عندي ثقة أنها ستصل هذه المتعة لشريحة كبيرة من القراء. * كثرة الصدف في الرواية كلقاء عادل بسارة في معرض الكتاب وكذلك لقاؤه بأبيها في المستشفى بعد ثلاث سنوات ..أليست الصدفة مبررا فنيا ضعيفا ومجانيا.. ما تعليقك؟. - بالنسبة للصدف في العمل صحيح أنها كانت أمرا لافتا، لكن الرواية قائمة على "التزامن" وعلى "قانون الجذب" وهذه الظواهر تدرس علميا، أيضا أنا مؤمن بلطائف وإيحاءات القدر، مثل هذه الأمور تحدث كثيراً في الحياة، ومسألة الإقناع، يتفاوت فيها البعض، عندما نقرأ في الأدب، نرغب في شكل أو آخر أن يكون كريماً ولطيفاً، نرغب في أن يكون هناك لقاء بعد غياب، فرج بعد كربة، فرح بعد تعاسة، لهذا نغض الطرف عن اللقاءات غير المقنعة في رواية «شيطنات الطفلة الخبيثة» ليوسا، لأن الجمال والحب والمتعة والتماهي مع الأدب، تجعلنا لا نتعامل مع هذه الأعمال بصرامة.
مشاركة :