سلامة أي مجتمع بحاجة إلى وعي النخب في تحليل وبسط المعضلات التي تواجه الأفراد، فكثير من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية في جوهرها تغيب عن العامة، والثقة التي يمنحها هؤلاء العامة يحمل تلك النخب مسئولية القول؛ لأن قولهم يدخل ضمن دوائر التصديق واليقين لدى مريديهم. وخطورة النخب إذا كانت لديها أجندة خاصة تقدمها وتسعى إلى إعلائها فوق مصالح المجاميع، فإن حدوث هذا يؤدي بالضرورة إلى الافتراق. وكما نلحظ في جميع أنحاء العالم حين يراد ببلد ما إحداث فوضى يكون البدء بتحريك الطائفية؛ كعنصر مختلف حوله وحول مفهومه، ثم تتطور إلى إثارة الطوائف الأخرى التي لا تجد لها مساندا سوى تخزين الغضب والحنق، وفي وقت محدد ينفجر المجتمع حول نفسه، ويكون المتسبب في هذا الانفجار هو التحزب لمفاهيم مغلوطة لدى كل طرف في مقابل بقية الأطراف.. وسواء كان التحزب وليد طائفية أو مذهبية أو قبلية أو مناطقية. ومن المفترض على العقلاء إغفال أو تخبئة المفاتيح المحركة لهذا التحزب . وللأسف، يظهر هذا التحزب في أول صورة بأنه دفاع عن البلد وبواسطة هذا الغطاء يكون التغول على الطرف أو الأطراف الأخرى، فتحدث التعبئة بين أفراد البلد الواحد. ومعروف أن أي مجتمع معافى تكون فيه النخب باحثة عن مصلحة المواطن والوطن، وفق المواطنة، وليس وفق أي شيء آخر له منازعات وفوارق جوهرية بين الأفراد. فالوطن بمصالحه ومصالح أفراده هو الجامع، أما إحداث شرخ بين الفئات تكون بداية الارتباك.. ولكون العقلاء يعلمون بمقدار وخطورة نبش تربة المذهبية أو القبيلة أو المناطقية، فقد وجدنا خلال السنوات الماضية والندوات والمؤتمرات التي دعت إلى الحوار الوطني وتناولت في مناسبات عديدة قضية التعصب القبلي أو المذهبي في محاولة لإبعاد أي ظرفية يمكن لها أن تحدث احتكاكا بين أفراد وأطياف المجتمع، فمن الواجب علينا الاحتفاظ بكل النتائج المثمرة لجهد تلك السنوات والتأسيس عليها. ومما يؤسف له أن نخبا لا تحتاط من خطورة الحديث والتحريض على افتراق المجتمع مذهبيا من غير الإدراك بأن قولها محرك للفتنة، فيما كان الأجدر بهذه النخب العمل على الوحدة في إطارها الوطني، خصوصا أن الظروف الآنية غير قابلة للحديث عن العداوات التاريخية بين الحلل والملل. ونأتي إلى نقطة أخرى ذات أهمية قصوى تتمثل في أن جرم أو اقتراف أي مواطن لخطأ في حق الوطن يحاسب هذا المواطن على الفعل ذاته من غير ربطه بطائفة أو مذهب. أعيد القول، إنه وللأسف أن هناك من النخب من يجيش ويوغر صدور أبناء البلد الواحد ضد بعضه بحجة محاربة المذهبية أو الانحراف العقدي، بينما هذا التجيش هو الخطر الحقيقي الذي يؤدي إلى فتح مخازن الضغينة الكاملة. وبرغم من كل الأقوال الداعية إلى إبقاء الفتنة نائمة، فهناك نخب ما زالت تسير في غيها القديم، ولهذا علينا التحذير من انفلات الألسن (فمن مأمنه يؤتى الحذر).
مشاركة :