جحيم هاشم عبده هاشم (2/ 2)

  • 3/7/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«1384هـ بعد الانتقال إلى جدة، شجعني على التردد على الإذاعة زميلي في الجمارك حسن دردير (مشقاص) حيث كانت علاقته قد بدأت مع الإذاعة في ذلك الوقت كمونولوجست، وكنت أنتهز بعض الوقت للتردد على مكتبتها» ( هـ-ع-هـ) والذكريات صدى السنين الحاكي - عجز هذا البيت للشاعر أحمد شوقي طالما كان عنواناً لبعض كتابنا الرواد في بدايات الستينات، حسب إدراكي الأولي لمتابعة قراءة الجرائد في بدايات الخطوات الأولى للدخول في عالم القراءة /الكتابة، كهواية تحولت إلى ما يشبه المهنة المختارة، وكنت كلما قرأت هذا العنوان وتحته كلمة (بقلم: عبد العزيز الرفاعي، أو عبد القدوس الأنصاري، أو ضياء الدين رجب، أو أحمد السباعي، أو محمد حسن عواد، أو محمد سعيد العمودي، وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم -رحم الله من توفي وأطال عمر من بقي - وهم كثير ممن كانوا يثرون الساحة بكتاباتهم المتنوعة في شتى الموضوعات الحياتية، ولكن السمة البارزة ما كان يؤطرها الشأن الثقافي وخاصة الأدب وما يتفرع منه. أراني وقد مضت بي السنون لأدخل في تماثلهم العمري قد ذهبت مع مجايلي في العمر والحرف، د. هاشم عبده هاشم، في العودة والتذكر عندما قرأت كتابه القيم عن سيرته الذاتية (الطريق إلى الجحيم)، ووصلت بقفزات متواليات معه عبر تذكره ورصده بعضاً من حياته في منطقة جازان، وكتاباته في جريدة الرائد واتساع نشاطه بها إلى أن توقفت استعداداً لدخول عهد صحافة المؤسسات، هو موظف في الجمارك ومحرر متعاون مع جريدة المدينة، همه الأول الرياضة كعمل، والثقافة هواية، في مساهمات كتابية، وكانت لي علاقة مع بعض الزملاء ممن كانت هوايتهم الصحافة سبقوني إلى العمل كمساهمين غير متفرغين، ولكن يعتبر البعض منهم موظفاً صحفياً يحمل بطاقة محرر أو مراسل، كان أقربهم إليّ الأستاذ علي الرابغي الذي عندما قرأ مقالة أو شبه مقالة لي وكنت زميلاً وصديقاً لأخيه الراحل كامل رحمه الله، حتى تعاطف معي وأخذ يشجعني على الاستمرار والتوغل في الحياة الاجتماعية، وعدم الركون إلى العزلة والقراءة فقط، وحثني على المعايشة والتأمل في التنوعات الحياتية. كتبت في الفن وعن الفنانين في صفحة فنون بجريدة المدينة، وكانت رحلة من الطائف إلى جدة برفقة أبي مروان علي الرابغي، وكانت زيارة جريدة المدينة، ولقاء المحررين بدر كريم المحرر الفني وهو كريم في طبعه على اسمه، هاشم أبو أيمن الذي طلب مني بعد أن سلمني قلماً وعدة ورقات أن أدون رأيي كتابة حول الهواية أم الاحتراف أيهما تحبذ في مجال الرياضة (كرة القدم)، وسجلت الهواية في ذلك الوقت لكون الاحتراف لم يكن مثل هذه الأيام، كان يعني الأشخاص الذين لا شغل لهم إلا الرياضة، والهواة كانوا من الطلبة المتواصلين مع الدراسة، ومتى ما نال أحدهم الشهادة الثانوية كانت البعثة أو جامعة الملك سعود أو الكليات في مكة، أو العسكرية، عموماً كان هاشم له ثقله في الجريدة وكانت له أنشطته المتعددة مع الإذاعة والتلفزيون، يذكر هاشم «في مكتب بدر كريم تعرفت على كل من الأستاذين حسين نجار، وغالب كامل، وقد كانا يتدربان آنذاك للالتحاق بالإذاعة، ويبدأان خطواتهما الأولى، مستفيدين من تجربة أبي ياسر ومهنيته العالية، ليس في الإذاعة فحسب، ولكن في الصحافة أيضاً، حيث كان يحرر الصفحات الفنية في الرائد الأسبوعية ثم المدينة اليومية، ويعتبر من أوائل المحررين الفنيين بصحافتنا قبل وبعد صحافة المؤسسات، وكان يرمز لاسمه بـ(مايك) وهي اختصار كلمة «مايكرفون» ويكون الاتفاق على إعداد بعض البرامج وتقديمها مثل برامج - أغاني ومعاني - ومسابقة الأسبوع واحد من ثلاثة - وجهة نظر - كما كتب بعض السباعيات التمثيلية، وبعدها بسنوات ومع تطور أعمال هاشم وتألقه صحفياً كرئيس لجريدة عكاظ التي عمل فيها جاهداً بكل اقتدار مما جعلها في مقدمة الصحف السعودية، وقد جابه الكثير وهو يكافح ويتصدى، ويخطط وينفذ، مما أكسبه الصداقات ونقيضها، ولكن كان همه العمل وكيف ينجح، فشاركه البعض، وفر البعض، وهو قد تواصل مع التحصيل العلمي حتى نال شهادة الدكتوراه منتسباً، يعمل صحفياً ويدرس، مما أكسبه التجارب التي هي بمثابة خارطة طريق لمن يريد أن يعمل وهمه النجاح الذي سينال منه على قدر جهده «أكسبتني التجربة العملية الطويلة الكثير من الخبرات وخرجت منها ببعض المفاهيم الخاصة، وأقول المفاهيم الخاصة لأنني لم أتلق علوم الصحافة المتطورة، وإنما تلقيتها من خلال المحاولة والاستقرار، والتجريب الذاتي، وفي أحيان أخرى من بعض القراءات الإعلامية المتخصصة بحكم صلتي الأكاديمية بالجامعة وبقسم المكتبات والمعلومات تحديداً»، وتكون الخبرة وممارسة العمل بالمعايشة بين أخذ وعطاء، وتكشف بعض الأمور التي تحدث نتيجة العمل في حالة تنفيذه، يعطي مجالاً أوسع لمن يملك عقلاً متحفزاً وفكراً مستنيراً يرتكزان على قاعدة توجهها الطموحات الكامنة في الذات الخلاقة التي كلما أمعنت في العمل اتسعت الرؤية أمامها، وكلما اتسعت ازدادت السعة «نحن نستطيع - يقول أبو أيمن - أن نتعلم الهندسة والطيران والطب والإعلام بكفاءة عالية، لكننا لا نستطيع أن نحصل على (إعلامي) حقيقي بمجرد أن ندخله الجامعة، أو نلحقه بصحيفة، أو نريد له أن يكون مذيعاً أو نرغب في أن يصبح صاحب قلم جذاب للناس، ويعبر عنهم أو يعكسها من خلال وسيلته الإعلامية محققاً بذلك أعلى التفاعل المستمر بين الجمهور وبين وسيلته تلك»، إذاً كيف نحصل على من يملأ الإطار بكفاءة دون فراغات؟ فمع العلم والدراسة التي لا غنى عنهما هناك وسائل تجعل منه هذه العلوم النظرية والمكتسبة بالدراسة والتحصيل «الوسائل والأدوات ليست إلا مفاتيح، ولا تكتسب هذه المفاتيح أية أهمية إذا نحن لم نكن قادرين أساساً على معرفة ماذا نريد وإلى أين نتجه، ولماذا نفعل ما نفعل؟ إن المعرفة إلى جانب الموهبة تمكننا من الوصول بالعمل الإعلامي إلى مستوياته (العلمية) المعيارية بدرجة عالية من الإتقان والتكامل». هذه المنهجية المتأتية من جراء تجربة عملية/علمية، صاحبت د. هاشم عبده هاشم في حياته وأعماله الأخرى التي توغل فيها مكتسباً/ومكسباً، فكان في الأمكنة يعطي حسب قدراته وما هو مطلوب منه في المجال الذي يعمل فيه، من التحرير الصحفي، إلى رئاسة التحرير، وإدارة مؤسسة صحفية كبرى، والجمع بين الإدارة والتحرير، وجحيم الصراع بين المتوافقين معه والمختلفين، وما ناله من المديح والذم، وهو جحيم العمل التنافسي، حيث يكون الجحيم بارداً عندما يتأكد الفاعل أن ما قام به كان في مراتب النجاح العليا، فهو برد وسلام، يدور في دائرة محيطها الرضا، وهنا تكمن السعادة والراحة الذاتية، لمن اجتهد في الحرث ومن ثم البذر وكان الحصاد النافع المشار إليه، وفي الصحافة كانت الإشارة ومازالت للرموز التي خدمت في هذا المجال وأبدعت، وهم معروفون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. ويتوجب عليّ هنا أن أشير مترحماً إلى (أستاذي ملك الصحافة تركي عبدالله السديري) الذي كان يمثل نموذجاً يعني العمل والفعل الصحفي المتوالي النجاحات هواية وحرفة وابتكاراً ومنهجاً، عايشته قرابة الخمسين عاماً كشاهد ضمن الشهود على نجاحاته، وهو كان محور حديث كان بيني وبين أبي أيمن رفيق دربه وزميله من محررين تدرجا في المناصب الصحفية حتى ترأسا تحرير جريدتين كبريين في مملكة التطور والنماء والشباب المتجدة دوما، وكانا محل التقدير لما قدما من عمل يستحق الإشادة.

مشاركة :