في عام 1985 صدرت عن الكاتب الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب (غابرييل غارسيا ماركيز) رواية شهيرة بعنوان (الحب في زمن الكوليرا)، وهي رواية رقيقة جدًا ومفعمة بالمشاعر الإنسانية العنيفة والعذبة في آنٍ واحد. تحولت هذه الرواية فيما بعد إلى فيلم في عام 2007. الرواية تتحدث عن علاقة حب استمرت بين اثنين من المراهقين شاب وفتاة، حتى تجاوزا سن السبعين من عمرهما. ولأن الرواية رواية (حب) فقد بدأ الكاتب اسمها بالحب، ولأن الرواية تعبر عن قصةٍ حزينة في وسطٍ حزين (في زمن الكوليرا) المنتشر في ذلك الوقت في منطقة دول البحر الكاريبي ذي الحر الخانق والفقر المدقع، كان لا بد للكاتب أن يُضيف (الكوليرا) إلى اسم الرواية كبطلٍ حاضرٍ في الأحداث، فكان اسم الرواية (الحب في زمن الكوليرا).التقى العاشقان (فلورنتينو أريثا) و(فرمينا) على مقاعد الدراسة وتبادلا رسائل الحب فيما بينهما.. واستمرت علاقة الحب هذه حتى علم والد (فيرمينا) بذلك، وقرر أن يُنهي هذه العلاقة بين العاشقين لأن والد (فيرمينا) يتطلع إلى تزويجها من طبقة ثرية، فأخذ الوالد عائلته وسافر بها بعيدًا... حيث مرت السنوات وتزوجت (فيرمينا) طبيبًا من الطبقة الارستقراطية وأنجبت منه، ولكن حبيبها السابق (أريثا) ظل على حبه لها إلى أن توفي زوجها بعد (واحد وخمسين عاما). وتشاء الأقدار أن يلتقي العاشقان في سن السبعين وجذوة الحب مازالت متقدة في قلبيهما في رحلة نهرية على احدى السفن، ويعترف كل منهما للآخر بحبه العظيم، ويقرر (أريثا) ان ينفرد بحبيبته عن هذا العالم البائس، ويقرر التخلص من الركاب في السفينة عن طريق خدعة الإدعاء بأن السفينة قد اصابها وباء (الكوليرا)، وقد كان منتشرًا في ذلك الوقت، فيهجر الركاب السفينة ويبقى هو وحبيبته والسفينة تعبر بهما النهر ذهابًا وإيابًا رافعة علم (الوباء الأصفر) من دون أن ترسو على البر إلا للتزود بالوقود، فيما تضم عش الحبيبين اللذين لا يباليان بوصولهما إلى سن السبعين، لأنهما يعيشان الآن في (مرحلة ما وراء الحب) وهي (الحب لذات الحب). وتنتهي الرواية بكثيرٍ من مشاعر الحب والرومانسية والشجن.عندما تقرأ الرواية تكاد تشم بين السطور رائحة وباء الكوليرا القاتل، والعفن الكريه في المناخ الاستوائي، ولكن الكاتب ركز في روايته على تجسيد مشاعر الحب في معناه الروحي كعنصر فاعل في بعث الحياة وتجاوز الأزمات.تذكرت هذه الرواية الآن ونحن نعاني في هذه الفترة العصيبة من الوباء الذي يجتاح العالم (فيروس كورونا) ويحصد الأرواح. وتذكرت أنّ الحب بين الناس قد يكون علاجا روحيا ونفسيا قد يساعدنا جميعًا على تجاوز الأزمة، ولكن هذا الحب بين الناس، وبين الناس والسلطات العامة، له شروط يجب على المواطنين في كل دولة الالتزام بها والتعبير من خلالها عن اهدافهم النبيلة نحو المصلحة العامة. وأرى أنّ من واجبات المواطنين في هذه الأزمة أن يتحلى كل مواطن بالصبر والحكمة، وألا يثير الفتنة أو يتداول الشائعات والأخبار الكاذبة التي تثير الهلع والفزع بين المواطنين، وأن يتّبع المواطنون جميع التعليمات والإرشادات الصحية العامة التي تصدرها الدولة من خلال مؤسساتها الرسمية وعدم الجدال معها أو مناكفتها. إنّ الحب الذي نتغنى به بين مكونات المجتمع، والعشق لهذا الوطن، يحتم علينا -خاصةً عند الأزمات- التكاتف معًا ومؤازرة الدولة ودعمها وترجمة هذا الحب بالتسليم التام للقرارات السيادية للدولة، واتباع تعليماتها وارشاداتها العامة، والالتزام الوطني بالقيم الاجتماعية والقوانين والإجراءات الرسمية. (الحب في زمن الكوليرا) كان يتطلب عشقًا عميقًا ووفاءً نادرا...و(الحب في زمن الكورونا) يتطلب عشقًا صادقًا، وإحساسا بالمسؤولية.
مشاركة :