الصحافة البريطانية وحيثيات الكشف عن الرسائل السرية! | عاصم حمدان

  • 6/9/2015
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

* لم يكن توني بلير معروفًا في الوسط السياسي البريطاني، إلاَّ أنّ الوفاة المفاجئة للزعيم التاريخي لحزب العمال جون سميث Smith عام 1994م، هيَّأت له فرصة قيادة الحزب ليفوز -لاحقًا- في انتخابات 1997م، بعد أن ظل حزب المحافظين يحكم بريطانيا لمدة تقارب من «18» عامًا، شكَّلت فيها مارجريت تاتشر الجزء الأكبر منها، وامتد تأثيرها ليشمل خلَفَها جون ميجور. * إلاَّ أن بلير يعترف صراحة في مذكراته بأنه دخل داوننغ ستريت من دون أن تكون لديه الخلفية السياسية والعملية المطلوبة لتولي منصب رئاسة الوزراء، وقد أدرك «بلير» مبكرًا أن فقدانه للخبرة السياسية يحتِّم عليه السير وراء سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، كما فعلت من قبل مارجريت تاتشر في بداية الثمانينيات الميلادية، باعتمادها على العلاقة القوية التي ربطتها بالرئيس الأمريكي الجمهوري -آنذاك- رونالد ريجان، فبعد عام من انتخابه -أي بلير- رئيسًا للوزراء أي: عام 1998م، دخل الحرب مع الرئيس الديموقراطي «بيل كلينتون» Clinton في جزيرة البلقان، وفي كوسوفا تحديدًا، وبعد صعوده مرة ثانية رئيسًا للوزراء ربط «بلير» نفسه -وبطريقة مثيرة- بالرئيس الأمريكي الأكثر راديكالية وصلفًا وجهلاً، وهو جورج بوش الابن، حيث خاض معه الحرب على البلد العربي العراق عام 2003م، والتي أدَّت في النهاية لتشكيل لجنة خاصة لتقصي آثارها المدمِّرة، وحملتْ اسم «تقصيات تشيلكوت Chilcot والتي لم تظهر نتائجها حتى الآن، إلاّ أن صحيفة الجارديان Guardian، المعروفة بوسطيتها وانفتاحها، عملت على الضغط لنشر الرسائل المتبادلة بين ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، وبعض الشخصيات السياسية في حكومته بين عامي: 2001-2005م، ومن أهمها الرسائل المتبادلة مع توني بلير، والتي اعترف في إحداها «بلير» بسقوط العديد من طائرات الهليكوبتر البريطانية، وأن الأمير تشارلز حذَّر «بلير» من أن القوات البريطانية المشاركة في غزو العراق تتعرّض لمخاطر عديدة، وأنها لا تتوفر على الموارد المطلوبة في أرض المعركة. * ومن أهم المذكرات التي أطلق عليها «العنكبوت الأسود» على خلفية كتابتها باليد، وبحبر أسود -كما هي عادة تشارلز في كتاباته الخاصة- ومن أهم تلك المذكرات ما ذكره لرئيس الوزراء بلير -آنذاك- من الأداء الضعيف لبعض الطائرات المعروفة باسم Lynex بسبب درجة الحرارة العالية والمؤثرة سلبًا على أدائها، إضافة إلى ما يسببه استبدال تلك الطائرات بأخرى من ضغط على ميزانية وزارة الدفاع، ولعل هذا ما حدا بالصحيفة إلى استخدام عنوان مثير «بلير يعترف بإخفاق الحرب في العراق». ويأتي نشر مثل هذه الرسائل في الوقت الذي يدور فيه نقاش حاد حول حدود الدور الذي يمكن لولي العهد أن يؤدّيه في الشأن السياسي، وقد وصفت الديلي تلغراف الأسبوعية 2015, 20-26 May خطوة «الجارديان» بنشر مثل هذه الرسائل بأنه ضرب من ضروب الحماقة، كما تزامنت هذه الضجة الإعلامية حول ما هو مباح، وما هو محظور في النشر مع إعلان بلير التنحي في الشهر القادم من منصبه كمبعوث دولي لعملية السلام في الشرق الأوسط، بعد أن تم تعيينه رئيسًا للمجلس الأوروبي للتسامح والمصالحة. * ويمكن للمراقب لسلوكيات بلير الانتهازية أن يتساءل: ماذا يمكن أن يقدمه لمنصب هكذا، وخصوصًا أنه أمضى ما يقرب من ثماني سنوات في منصبه السابق، دون أن يقدم ما يمكن أن يساهم -على الأقل- في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، الذي تمارس إسرائيل ضده سياسات عنصرية بغيضة لا تقل سوءًا عن نظام «الأبارتهيد» الذي كان قائمًا في جنوب إفريقيا.

مشاركة :