تعرضت السندات الأمريكية خلال شهر مايو/ أيار لوعكة ما لبثت أن تطورت إلى مرض عضال في يونيو/حزيران أسفر عن تبخر العائدات وارتفاع تكاليف الاقتراض بشكل حاد، وهو ما عزز الاعتقاد السائد لدى المحللين ومديري الصناديق بدنو نهاية العصر الذهبي لتلك السندات. بعد صمودها اللافت في وجه تقلبات سوق الدين الحكومي الأمريكي تراجعت تلك السندات بحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وارتفع متوسط العائد على سندات الشركات ذات التصنيف الممتاز من 2.8% خلال شهر إبريل/ نيسان إلى 3.3 % خلال مايو ما تسبب في ضياع المكاسب التي حققتها منذ بداية العام. ورغم أن وضع سندات الشركات غير المصنفة كان أفضل نتيجة عزلها عن تقلبات سوق الدين الحكومي، إلا أن مؤشر بانك أوف أمريكا ميريل لينش كشف عن ارتفاع العائد عليها من 6% عند بداية يونيو إلى 6.3% حالياً. وتبدو تقلبات بعض السندات مبررة نظراً لترنح أسواق السندات الأوروبية، لكن النكسة عموما نتجت عن تساؤل المستثمرين عما إذا كان التهافت على سندات الشركات الأمريكية الذي انطلق بعد الأزمة المالية العالمية قد توقف. ومن أبرز مؤشرات نهاية مهرجان شراء السندات، ارتفاع وتيرة صفقات الاستحواذ والاندماج في الشركات الأمريكية حيث قفزت قيمة تلك الصفقات خلال مايو إلى 24 مليار دولار حسب تقديرات ديلوجيك وهو رقم حطم كل الأرقام السابقة. ومما أنعش شهية صفقات الاندماج مسارعة الشركات لاستغلال التمويل الرخيص قبل رفع أسعار الفائدة المرتقب، وربما يخفض التذبذب الأخير الذي شهدته الأسواق وتيرة الإصدارات قليلا لكن شهر يونيو سيكون الخامس على التوالي الذي تتجاوز فيه مبيعات سندات الشركات الأمريكية 100 مليار دولار. ونتيجة لذلك رفع بنك جيه بي مورغان توقعاته لحجم الإصدار من سندات الشركات ذات التصنيف الممتاز من 1.05 تريليون دولار هذا العام إلى 1.15 تريليون. ويثير شح السيولة المخيف قلق حاملي السندات، وهو ما يؤجج نار موجات البيع التي قد تحول حركة التصحيح الطبيعية في السوق إلى أزمة، خاصة في حال شعر المستثمرون من الأفراد بالخوف حيال قدرة صناديق الاستثمار في السندات التي بحوزتهم على تجنب الخسائر الفادحة التي تنتظرها، ورغم أن هؤلاء المستثمرين لا يزالون يقبلون على شراء تلك السندات إلا أن حجم استثماراتهم فيها تراجع كثيراً قياساً على معدلات السنوات التي تلت الأزمة مباشرة. وعلى أي حال هناك ما يكفي من المبررات للتفاؤل حول عدم ارتفاع تكاليف اقتراض الشركات. فمعظم صفقات الاستحواذ والاندماج التي تتم حالياً بين الشركات وليس بين صناديق الملكية الخاصة، تتم صياغتها بدرجة تحفظ أعلى ويتم تمويلها بالنقد أكثر من الدين مقارنة مع طفرة الصفقات المماثلة السابقة. أضف إلى ذلك أنه رغم التذبذب غير المستمر في سوق سندات الشركات الأمريكية لا يزال المستثمرون يقبلون على شرائها. ويقول محللون في مجموعة سيتي بانك إنه مما يشجع على ذلك أن صناديق الاستثمار في السندات لم تتجاوب مع موجات البيع، ما يعني أن الأموال التي تستثمر فيها قد لا تتسرب بسرعة. أما الطلب على السندات من قبل صناديق التقاعدية وشركات التأمين فقد تأثر بحاجتها للسيولة للوفاء بالتزامات تتعلق بمستثمري الدخل الثابت لآجال طويلة، واي ارتفاع في معدلات العائد على السندات سيكون موضع ترحيبها وهي الغنية بالسيولة. ومما بات واضحاً أن عام 2016 سوف يكون صعباً على سندات الشركات الأمريكية بسبب رفع أسعار الفائدة المنتظر من الاحتياطي الفيدرالي قريباً والذي سوف يسفر عن ارتفاع حجم تحوط الشركات وشح في السيولة. تراجع العائد على السندات الإسبانية والإيطالية ارتفعت السندات الإسبانية، والإيطالية خلال تعاملات أمس ليتراجع العائد على الديون السيادية، مع ظهور إشارات إيجابية حول أزمة ديون اليونان. وكان مسؤولون أوروبيون قد أعلنوا أن الحكومة اليونانية أرسلت عرضاً جديداً بشأن برنامج الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، بعد أن كان رئيس الوزراء اليوناني قد رفض مطالب المقرضين في الأسبوع الماضي. وتراجع العائد على السندات الإسبانية لآجل 10 سنوات 3 نقاط أساس (0.03%) إلى 2.23% خلال تداولات امس، بعد أن قفزت ب 15 نقطة خلال اليومين الماضيين. كما هبط العائد على السندات الإيطالية لآجل 10 سنوات 3 نقاط أساس إلى 2.23%. في حين استقر العائد على الديون الألمانية لآجل 10 سنوات عند مستواه الحالي والبالغ 0.88%، بعد أن ارتفع 4 نقاط على مدار الجلستين الماضيتين. وكانت القراءة الثانية لمعدل نمو الاقتصاد في منطقة اليورو قد أكدت ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4% في أول 3 أشهر من العام الجاري.
مشاركة :