«ملتقيات النص».. تجربة أدبية سعودية تحتاج إلى مراجعة

  • 6/10/2015
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

دأبت بعض الأندية كنادي جدة الأدبي على إقامة ملتقى للنص، غير أنه دار الكثير من اللغط حول جدوى هذه التجربة، وإلى أي مدى تعكس القيمة الحقيقية للإبداع بمختلف ضروبه. ADVERTISING عدد من المشاركين، يعتقدون أن هناك بونا شاسعا بين تطور النص وحركة النقد ودور الأندية الأدبية، على مدى مسيرة الكتابة الروائية والقصصية والشعرية منذ منتصف القرن الماضي. هنا، كتاب ونقاد ومثقفون سعوديون يقيمون هذه التجربة ومردودها سلبا وإيجابا: يرى الناقد الدكتور حسين المناصرة أن «أهم ما أنتج في المشهد النقدي الأدبي بالسعودية يعود - بالدرجة الأولى - إلى مسارين: مسار الدراسات العليا في الجامعات، أي أبحاث الماجستير والدكتوراه، ومسار الملتقيات النقدية في الأندية الأدبية. ويعد (ملتقى قراءة النص) في النادي الأدبي الثقافي بجدة مؤسسًا لهذه الملتقيات، إذ عقد هذا العام الملتقى الثالث عشر، والنادي الذي يأتي في الدرجة الثانية، لا يتجاوز عدد ملتقياته أربعة أو خمسة ملتقيات، ناهيك بأن نواد أخرى لم تعقد أي ملتقى إلى الآن». وبرأي المناصرة، فإن هذه التجربة النقدية في المشهد الأدبي تعد محفزًا أو محرضا للباحثين والباحثات على الكتابة النقدية الجادة، التي تقيم وتُناقش في الملتقى، ويعيد الباحث أو الباحثة النظر فيها، ثم تنشر، لتغدو مرجعًا في سياق محاورها وإشكالياتها. وبذلك، تسهم هذه الملتقيات في إعادة إنتاج الإبداع وتقويمه تحت سقف الحوار والاختلاف. أما ملتقى قراءة النص الثالث عشر الذي خصص هذا العام لدراسة «الإنتاج الأدبي والنقدي لجيل الرواد بالسعودية»، وفق المناصرة، فيؤكد المسيرة الثقافية المميزة لنادي جدة في فعالياته وإصدارته، مشيرا إلى أن أهمية هذا الملتقى تكمن في إعادة قراءة نصوص الأدباء الرواد إلى عام 1965. وفيما يتعلق بتطور النص على مدى مسيرة الكتابة الروائية والقصصية والشعرية منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن من حيث المفردة وتقنية النص وملامسة القضايا المعاصرة الملحة، أكد المناصرة أنه لا مجال للمقارنة كما ونوعا. ونوه أن النصوص السردية والشعرية، جاوزت بضعة آلاف بعد منتصف القرن الماضي، قياسًا إلى أنها في حدود بضع مئات قبل ذلك، مبينا أن المفارقة كبيرة جدا - أيضا - في مستوى الجماليات. وأضاف المناصرة: «في الوقت الذي يمكن أن نتحدث فيه عن إرهاصات فنية في الشعر والنثر، وأن التجارب الإبداعية لم تحقق كثيرا من متطلباتها في الرؤى والجماليات قبل منتصف القرن الماضي، هناك قفزات نوعية في النص الشعري والقصصي القصير منذ سبعينات القرن الماضي، وقفزات نوعية في مجال الرواية منذ تسعينات القرن الماضي». وعلى صعيد الرؤية النقدية، يعتقد المناصرة أن النص تطور كثيرا، وتعددت مناهجه، وتنوعت آلياته وإجراءاته، وصار بإمكان النص الجيد أن يكون مفتوحا لقراءات غير نهائية، وهذا هو مرجعية خلود النصوص أو عبقريتها. لكن ليست وظيفة النقد وفق المناصرة، تقويم النصوص في ضوء معيارية ضيقة، هي معيارية «الجودة والرداءة»، فمهمة النقد ليست مصادرة النصوص، أو منحها الشرعية! النقد - عمومًا - يقرأ النصوص ويعيد إنتاجها استنادًا إلى أطر منهجية ليست نهائية - على أي حال. وبكل تأكيد، تعد النصوص الملتزمة بواقعها وطنًا ومجتمعًا هي النصوص الأكثر تميزًا من غيرها، بشرط أن تكون - في الوقت نفسه مميزة فنيًا وجماليًا، إضافة إلى تميزها رؤى ودلالات. الشمري: «بون شاسع بين الأندية وملتقيات النص أما الكاتب والروائي عبد الحفيظ الشمري، فيعتقد أن (ملتقيات النص) التي تنظم بين فينة وأخرى في بعض الأندية الأدبية، والتي يحشد لها الكثير من الإمكانات والقدرات بطريقة لا تبدو متوازنة في طرحها ومراميها». ويقول الشمري: إن «هناك بونا شاسعا بين هذه الأندية وهذه الملتقيات أي أنك تفاجأ بنادٍ أدبي أنشطته متهالكة ووضعه التنظيمي مهلهل ومن يقومون عليه كما تقول العرب: (لا ناقة لهم ولا جمل) بالثقافة والأدب». ومع ذلك، والحديث للشمري، تخرج هذه الملتقيات لتظهر وكأنها معدة بمعزل عن رؤية الأندية، والأمثلة معروفة ولا داعي لذكرها، فما عليك في أي ملتقى تسمع عنه إلا أن تدقق بأحواله، لتعرف أنه معد بطريقة شللية ومختار له التوجه ونوعية المدعوين إليه، والأدهى من ذلك أن النادي في وادٍ وهذا الملتقى في وادٍ آخر. أما الأمر الثاني وفق الشمري، فإن هناك تكريسا واضحا لمفهوم الشللية التي تضرب أطنابها في العمل الثقافي، والسبب برأيه يعود إلى وجود هذه الأندية الأدبية الهزيلة والتي استغلت، والعبث فيها من قبل بعض الموتورين الذين لا يعرفون عن قضية الثقافة والأدب سوى قشورها ومظهريتها فقط على حد تعبيره. وقال الشمري: إن «إدارة العمل الثقافي والأدبي قد تكون أفضل في ظل عدم وجود هذه الأندية التي لم تضف شيئا للمشهد الثقافي في بلادنا في الأعوام القليلة الماضية، بل أنها وجدت لتلميع بعض النكرات في المرحلة الحالية». ولذلك، لا يعتقد الشمري أن ملتقيات النص في بعض الأندية مفيدة إنما «هي عبئ على المشهد الثقافي والذائقة الأدبية». ويقول الكاتب والروائي خالد خضري: «شخصيا أعتبر تجربة نادي جدة الأدبي الثقافي في إقامته لملتقيات النص تجربة رائدة، حيث يعد أول من أسس لها وأعقبها بأفكار لملتقيات أخرى في أندية أخرى». نادي جدة بهذه الخطة أتاح مجالا لظهور عدد كبير من الدراسات النقدية حول النصوص الإبداعية المحلية، وهو ما انعكس إيجابا على الإنتاج الإبداعي المحلي. لكن توسع المنتج الإبداعي وازدهاره في الفترة في مجال الرواية بالذات، وفق خضري، لا يعود لهذا الدور فقط وإنما يعود للانفتاح والحرية في الطرح الذي شهدته الساحة الثقافية في السعودية، خلال العقدين الماضيين، مما أدى إلى ظهور كتاب رواية ليسوا في الأساس أدباء أو ممن يمتهنون حرفة الأدب. فاكتظت الساحة بالروايات وظهرت أعمال لمهندسين وأطباء وموظفي علاقات عامة، شابها الكثير من اللغط حول المستوى الفني الذي قدمت به، بالذات فيما يخص الرواية النسائية، إذ إن 90 في المائة من الرواية النسائية، لا يرقى إلى مستوى الإبداع، ليس فنيا فحسب، بل على مستوى القضايا المطروحة، لأنها كتابها وكاتباتها كانوا يبحثون عن الشهرة من خلال الكتابة، واعتبرت وسيلة لدى البعض في أن يتاح المجال لهم للظهور عبر مقابلة تلفزيونية أو صحافية، أو في حفلة توقيع. الكتابة في ظني أكبر من ذلك بكثير وهي هم إنساني وتحمل قضايا الإنسان الأزلية، ومثل هذه الأعمال تموت بعد حفل التوقيع مباشرة، وبعضها لا يستحق قيمة الورق الذي طبعت عليه. أما فيما يخص النقد فيرى أن النقد المحلي الآن يتجاوز كونه مجرد متتبع لمنتج إبداعي، مبينا أن هذه النظرة التقليدية البائسة للنقد هي نظرة قاصرة، لأن الناقد في الأساس صاحب مشروع، وهو ينتج فكرا خلاقا يستحق أن يلتفت إليه، لهذا نجده الآن يدرس الظواهر من خلال دراسته للأعمال الإبداعية، الظواهر الاجتماعية، الاتجاهات والميولات، والخطاب السردي ومستوياته. لذا نجد من نقادنا من أصبح مفكرا وصاحب نظريات فكرية، ومنهم من أصبح باحثا اجتماعيا، وهكذا وفي نهاية المطاف، كل هذه الجهود تصب، في خدمة الحراك الثقافي المحلي.

مشاركة :