حلب ، سوريا 13 مارس 2020 (شينخوا) كثيرة هي القصص المأساوية التي عاشها غالبية السوريين خلال السنوات التسع الماضية من عمر الأزمة التي عصفت بالبلاد ، ومع دخول تلك الأزمة عامها العاشر في مارس الجاري ، لايزال هناك الكثير منهم يعاني من انعكاساتها السلبية ، وعملت على تغيير مسار حياة معظمهم ، تاركة بنفوسهم جرحا نازفا . ولعل مدينة حلب العاصمة التجارية لسوريا ( شمالا)، واحدة من المدن السورية التي شهدت كل أنواع الويلات خلال الحرب و عانى الجميع تقريبًا من خسارة معينة ، سواء من فقدان أحد أفراد اسرتهم من خلال القذائف العشوائية التي كانت تسقط في كل الاحياء السكنية والتي لا تميز بين شخص وآخر، أو فقدوا منازلهم أو شهدوا انتكاسات اقتصادية وأزمات شديدة مع فرض عقوبات اقتصادية على البلاد وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ما زاد الطين بلة كما يقال . "أبو صحبي خسر منزله خلال الحرب" بالنسبة لأبو صبحي ، وهو رجل يبلغ من العمر 62 عاما ، فإن أكبر صدمة تلقاها أثناء الحرب هو النزوح عدة مرات بعد أن تحول منزله في حلب القديمة إلى أطلال خلال المعارك هناك. فعاد الرجل الستيني قبل نحو أربع سنوات ، عندما انتهت الحرب في الأحياء الشرقية من حلب ، ليجد منزله مدمرا بالكامل باستثناء غرفة واحدة كان يجلس فيها بشكل يومي ويتذكر تلك الأيام الجميلة التي عاشها مع افراد عائلته . واليوم بعد أن عاد الأمن والأمان إلى حلب ، يتسلق هذا الرجل العجوز أكواما من الحطام والأنقاض للوصول إلى أنقاض منزله المحطم ، والقريب من متجره الذي يشرف على خان الحرير أشهر خان في حلب ، ويبيع فيه ما بقي من مفارش المائدة المطرزة للنساء اللواتي يمرن بالصدفة من هناك بسبب كثرة الدمار والركام. ويجلس أبو صبحي في تحت نافذة الغرفة التي نجت من الدمار يوميا ، وينظر إلى صور عائلية ، كانت مبعثرة تحت الركام ، يمسح عنها الغبار ، ويتأمل فيها يوميا ويحلق بخياله إلى زمن ما قبل الحرب . وقال أبو صبحي لوكالة (( شينخوا)) بدمشق "كنا نعيش في نعيم قبل الحرب ، وكانت حياتنا مستقرة ، ولكن عندما جاءت الحرب ، فقدنا كل شيء " ، مضيفا " لقد فقدت الكثير من المال وتشردت عدة مرات ". في أكبر خسارة له خلال الحرب ، قال إن "قصره" كان أعز شيء يملكه فقده لأن أفضل ذكرياته ولحظاته الجميلة كانت في ذلك المنزل الذي تحول إلى حطام . وقال "هذا المنزل هو أغلى شيء بالنسبة لي ولا يزال أملي الوحيد على الرغم من تدميره. لقد جئت إلى هنا وأبكي لأنني عشت أجمل أيام حياتي هنا ". بعد خسارته لمنزله ، لا يزال هذا الرجل في حالة يأس ، حيث غادر أولاده وأحفاده البلاد خلال الحرب ويعيش الآن مع زوجته في منطقة أخرى في حلب. وتابع يقول لـ (( شينخوا)) " لقد مر وقت طويل لم أضحك من قلبي " ، مؤكدا أن "الشفاه فقط هي التي تبتسم أمام الناس ولكن قلبي يبكي ألما " . وأضاف "كان حوالي 50 شخصا يتجمعون في هذا المنزل ؛ أطفالي وأحفادي اليوم كل ما لدي هو ذكريات ". ويعمل أبو صبحي الآن في متجره ، ويبيع مفارش المائدة لكسب الرزق بعد أن كان رجلا ثريا قبل الحرب. ومع ذلك ، فإن وظيفته ليست سوى مكانا للاختلاط مع جيرانه ومحاولة نسيان ما عاشه من مصائب خلال الحرب. "المصاعب الاقتصادية" أم النور ،وهي امرأة في الخمسينات من عمرها ، نموذج آخر من حلب لما عانته من الأزمة . إذ كانت هذه المرأة تتمتع بحياة مريحة للغاية قبل الحرب ، حيث كانت تعمل كمنسقة في حفلات النساء فقط ، وهي وظيفة بدوام جزئي ما جعلها تعيش بحياة كريمة . اليوم ، أم النور التي ترتدي ثوبا طويلا ، مع حجاب أبيض ، تعمل على سيارة أجرة ، وهي وظيفة عادة مخصصة للرجال في سوريا ، إضافة إلى أن صحتها لم تكن جيدة لانها فقدت ابنها في بداية الحرب عندما كان في الخدمة العسكرية. وقالت أم النور التي تعمل 12 ساعة في اليوم ، إنها لا تستطيع تحمل الكثير من الأعباء . أم النور هي واحدة من آلاف النساء اللواتي وجدن أنفسهن يواجهن الحرب وظروف الحياة الصعبة بمفردهن ووجدن أنفسهن في نهاية المطاف يعملن في وظائف كانت حكرا على الرجال لا يكسبن المال ، ويساعدن أزواجهن في تأمين الاحتياجات اللازمة للحياة . وقالت لوكالة أنباء (( شينخوا )) "كنا سعداء ولدينا وفرة في كل شيء ولكننا اليوم نعيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة ، واعمل طوال اليوم على سيارة الأجرة إضافة لتغطية بعض الحفلات الـ ( DJ ) ، ومع ذلك لا يمكنني تغطية نفقات الحياة الصعبة " . وأضافت " كانت الحرب غير عادلة وأتت بنا إلى هنا، جميع ابناء الشعب السوري يعرفون أن النساء في حلب كن مدللات قبل الحرب وخلال الحرب ، عملنا في كل شيء من أجل معيشتهم ". "فقدان الأهل" تعاني ليلاس نبهان ، وهي فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات ، من ازمتين تركت في نفسها اثرا بالغا ، فقد فقدت والدها ، وبترت ساقها بقذيفة هاون عشوائية . وتعرضت ليلاس تلك الطفلة البريئة في عام 2016 ، لسقوط قذيفة هاون عمياء أطلاقها مسلحون من الأحياء الشرقية في حلب عندما كانوا يسيطرون عليها ، أثناء زيارتها إلى منزل جدتها بمناسبة عيد الأضحى . حيث طلبت ليلاس من والدها أن يشتري لها بعض الحلوى ، وواصلت بقية العائلة السير في الشارع ، بينما تخلفت هي ووالدها لدخول متجر ، فجأة ، سقطت قذيفة هاون ، أصابت تلك الفتاة ، ولتعلم في وقت لاحق ، أن والدها قد مات وهي فقدت ساقها اليمنى بينما هرب بقية أفراد الأسرة دون أن يصابوا بأذى ولكنهم عانوا من صدمة عاطفية شديدة مع فقدانهم المزدوج. بعد الحادث ، كانت الفتاة تشعر بالحزن الشديد لكن عائلتها وقفت إلى جانبها ، وكذلك فعل زملائها في المدرسة ، مما مكنها من التغلب على يأسها، والاستمرار في الحياة رغم الجرح النازف . وقالت ليلاس إن " إصابتي لم تؤثر على مستقبلي أو أحلامي لأنني أحب الحياة وأنا دائمًا متفائلة ، أقول إن هذه هي إرادة الله ولا أستطيع أن أفعل أي شيء حيالها ولا تؤثر عليّ، مشيرة إلى أنها أن تريد أن تصبح ممثلة أو محامية ". ومن جانبها قالت والدتها ، فاطمة سروجي ، إن الحدث المؤسف الذي أدى إلى وفاة زوجها وإصابة ابنتها أمر لن ينسى أبدا وسيبقى في الذاكرة ، خاصة أنه حدث في اليوم الأول من العيد ، وهو عيد يحتفل فيه الناس. وقالت "لم يعد هناك المزيد من البهجة بالنسبة لنا في هذه المناسبة وستظل هذه الذكرى المؤلمة تعيش في ذهني إلى الأبد ، حيث أثرت حالة ليلاس أكثر من غيرها ". وتابعت تقول " وقفت إلى جانبها وأخذتها إلى عدة أنشطة عندما أشعر بأنها غاضبة أو حزينة " ، مؤكدة أنه في وقت لاحق اشتريت لها عكازات لمساعدتها على التجول لتمر تلك المرحلة بسلام وبأقل الخسائر . "الأمل بغد أفضل" عبد الكريم سنجري يعمل حلاقا منذ زمن بعيد وكان يملك صالون حلاقة في منطقة الحميدية في مدينة حمص (وسط سوريا ) ، دمر منزله في حي الخالدية واضطر إلى تغيير عدة منازل خلال الحرب . ومع ذلك ، لم يغادر الرجل سوريا وهو الآن يشجع جميع الذين غادروا على العودة وإعادة بناء حياتهم حتى لو كانت من الصفر. وقال "بقيت هنا في هذا البلد الذي لم أغادره، غادرنا فقط إلى المناطق الآمنة ولكننا لم نغادر سوريا قط، لقد اجتمعنا عندما أصبحت حمص آمنة لأنه لا يوجد شيء أجمل من بلدنا ووطننا ". وأضاف " إنني أدعو الأشخاص الذين غادروا للعودة إلى ديارهم وبلدهم لأن بلدهم ثمين للغاية ". هذه نماذج سورية ، وهناك مئات الآلاف من القصص المشابهة ذات الطابع المأساوي ، عاشها السوريون خلال تلك السنوات ، ذاقوا خلالها الوان العذاب . ومع دخول الأزمة عامها العاشر ، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير اليوم (الجمعة) إن حوالي 11 مليون سوري يعتمدون على مساعدات الإغاثة بينما فقد عشرات الآلاف. وقالت المنظمة إن مليوني طفل من المدرسة تسربوا ، أو لم يحظوا بفرصة الالتحاق بالمدرسة في المقام الأول.
مشاركة :