في ذلك الركن القصي انزويتُ حيث صمت الجدران المهترئة والمقاعد الساكنة الرثة وابتهالات الستائر المنسدلة وسقف البيت الكئيب والأبواب البالية والنوافذ المهلهلة هدوء وسكون مطبق وبقايا ساعات بدأت تختنق وتحتضر .. حيث الأنين على موعد مع الغداة .. والدمع يتسابق مع غاسق .. والكرى يعانق السهاد .. وأنا امتص رحيق الوجع السحيق حتى صار قلبي يصافح حلماً كالهباء منثوراً وبضع أمنياتٍ بقاع البحر مغمورة .. وبات البياض يكسوني بريقاً أشعث .. فأكاد لا أسمع إلا نبضي المضطرب وهو يتنفس إيقاع الحياة الشجية .. إلى أن جاء ذلك اليوم الجذل وطرق باب قلبي المكلوم ذلك المياس ففتحتْ له روحي مداخل قلاعها وحصونها .. ليكون أول الحاضرين والملك على عرشها لا ينازعه في الملك أحد .. فاستقبلتْ حضوره المهيب وفرشت له ورود الحنين معطرة بأنفاس ملتهبة تذيب الأجساد .. وأشعلت قناديل الهيام ودقت طبول الغرام وتراقصت الأشواق على معازف العاشقين .. فأنت أجمل طقوس نبضي المشتعل الذي أجلسني على عرش الميلاد بتاج العشق الحصين ورداء الحب المكين .. يا من قطفتَ لي أزمنة ودهور من السرور .. وزرعتَ لي من الأمل غصوناً تثمر دوماً ولن تبور .. وأوقدتَ لي من الضياء مشاعلاً في الطرقات تنثر النور .. أقسم بأنك لم تكن صدفة بل أنتَ نشوان مسكوب من الأزل بين أقداح أقداري .. لقد زرعتَ برحم اليأس جنين حبك السرمدي يا ملاذي .. وأطفأتَ ظمأ الوله الذي كان كالجمر متقداً بين الأضلاع .. وهدأت رعشة اركاني بتلك اللمسات ثم علقتَ جدائل حبك بين روحي وقلبي فأصبحتُ وردة كالدهان .. وقصصتَ جناح الألم والجرح من دبر الأيام الغاشمة .. فغسقتْ عيني من جميل فعالك يا أمير العشاق .. فما أجمل الثواني والساعات والأيام والسنين حين تكون أنتَ لي فيها كالغيث الغفير بحبك .. وكالعاصفة الهوجاء بعشقك .. وكالبركان الثائر بهيامك .. وكالسيمفونية العجيبة بغرامك .. وكالمهد الناعم بحنانك .. دمتَ لي يا نبض الوطن الدافيء أعيشه بداخلك بعنفواني وجنوني وعشقي .. ومضة : أنتَ فقط عطر أنفاسي .. ونبض وريدي واحساسي ..
مشاركة :