«إشراقة» يصالح الأطفال الضحايا على أنفسهم

  • 6/12/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كوابيس لا متناهية، وتبول لا إرادي، وقلق مجتمعي من كل العلاقات المحيطة بهم، تلك عينة من جملة الأعراض، التي يعانيها الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي، المتراوحة أعمارهم بين سن الخامسة إلى أقل من الرابعة عشرة، ممن تعرضوا لاعتداء كامل أو تحرش مؤثر، إذ يستهدفهم بشكل أساسي برنامج إشراقة التأهيلي، الذي تعمل على تنظيمه دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، ضمن ثلاث مراحل تنفيذية، أولاها مرحلة بناء علاقات مهنية مع الطفل وذويه، ويبلغ عدد جلساتها ست جلسات فردية، والمرحلة الثانية، تشتمل على تمكين الطفل من حماية نفسه، والقدرة على تجاوز المحنة التي تعرض إليها، وتكون بمعدل 13 جلسة جمعية، أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فتضم جلستين لتقييم مدى كفاءة وفاعلية البرنامج وقياس مردوده، فيما يسمى بالجلسات الفردية البعدية. حضرت الخليج الورشة التدريبية الأولى حول آلية إعادة تأهيل الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي، والتقت بعدد من الاختصاصيين النفسيين، الذين أوضحوا أهمية هذا البرنامج، وتعرفت إلى نموذج العلاج النفسي المطبق لديهم، وإجراءات إدخال طفل لبرنامج إشراقة، كما رصدت المردود الذي جنته مختلف المؤسسات العاملة في مجال حماية وتأمين حقوق الأطفال المعتدى عليهم على مستوى الدولة، والتي كانت حاضرة لهذه الورشة التدريبية. بدأت الورشة التدريبية بإعطاء نبذة حول برنامج إشراقة الأول من نوعه في الشرق الأوسط، حيث قالت فاطمة المرزوقي، مديرة دار الرعاية الاجتماعية للأطفال في دائرة الخدمات الاجتماعية، إن البرنامج يتضمن عدة جلسات علاجية نفسية فردية وجماعية، تهدف إلى إقناع الطفل بأنه ليس الوحيد في العالم الذي تعرض لهذه المشكلة، من خلال إعادة تأهيله باتباع طريقة العلاج باللعب أو اللعب العلاجي Play therapy وهي من الطرق الفعالة في العلاج النفسي للأطفال، وتضيف المرزوقي: يمكن للمعالج النفسي كذلك ابتكار العديد من الأنشطة المساندة له في العلاج، حيث سيتم تقديم جلسات إعادة التأهيل من قبل معالجين، أحدهما رئيسي والثاني مساند إليه، ويكونان متخصصين في التأهيل أو إعادة التأهيل، مشيرة إلى أنه ستعقد الجلسات العلاجية في غرفة خاصة لإعادة التأهيل، في أحد المقار التابعة للدائرة أو المراكز المعتمدة لديها. استخدام الطفل لإشباع رغبات شخص بالغ أو مراهق؛ من خلال تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك منحرف، عبر ملامسته، أو حمله على ملامسة المتحرش، هكذا عرّف جاسم آل علي، اختصاصي نفسي في إدارة حماية حقوق الطفل - قسم خط نجدة الطفل، الاعتداء قائلاً: هناك أشكال متعددة له، منها بغاء الأطفال، واستغلالهم، كتصويرهم صور خليعة، وعرضها على المواقع الإباحية وتعريضهم لها. ويلفت آل علي إلى أن أهمية تأهيل الأطفال ضحايا الاعتداء، الذي يستهدفهم البرنامج، يكمن في مساعدتهم على حل المسائل المعلقة التي زرعتها تجربة الاعتداء المريرة في حياتهم، حتى لو جاءت هذه المساعدة بعد سنوات طوال من حادثة التعرض للاعتداء، لافتاً بدوره إلى أن من أبرز المشاكل الشائعة، التي يتعرض لها الأشخاص، الذين كانوا ضحايا للاعتداء في طفولتهم، المشاكل العاطفية وظهور سلسلة لا متناهية من الخلافات مع الشريك، والمشكلات السلوكية، إذ أحياناً كثيرة يمارس الضحايا الاعتداء كنوع من أنواع الانتقام، إلى جانب ضعف التحصيل الدراسي، وتكرار التعرض للاعتداء. وتكشف عايدة هاشم محمد، استشارية نفسية بإدارة وحدات الرشد التابعة لدائرة الخدمات الاجتماعية، أن برنامج إشراقة تطبيق لنموذج العلاج الجمعي، وهو علاج موجه لمجموعة من الأشخاص يعانون مشكلة أو اضطراباً نفسياً موحداً، أو يشتركون في اهتمامهم بموضوع معين، وتتابع: يمتاز العلاج الجمعي باستغلال الوقت لعلاج مجموعة كبيرة من الأطفال خلال الفترة العلاجية نفسها، إضافة إلى توفير جو من المؤازرة والدعم للشخص، من خلال الانخراط مع مجموعة من الأشخاص، ممن يواجهون المشكلة ذاتها. وتوضح محمد إجراءات إدخال طفل لبرنامج إشراقة، المشتملة على الخطوات التالية: استقبال حالة طفل متعرض لاعتداء جنسي، ومقابلة والدي الطفل وعقد اتفاقية تنفيذ البرنامج معهما، ومن ثم تحديد مواعيد الجلسات وتدوينها في جدول، والبدء أخيراً بتطبيق البرنامج، حيث يشتمل على 21 جلسة علاجية تتنوع بين نوعي الجمعية، التي تبدأ في ثاني مرحلة، والفردية، التي تقتصر على المرحلة الأولى والأخيرة البعدية، مؤكدةً أنه يمكن لهذا المخطط أن يتغير، في حال تمت معاينة حالات مختلفة، تحتاج إلى عزلها عن الجلسات العلاجية الجمعية والتعامل معها على حدة، لضرورات ترتبط بماهية علاجها وحالتها النفسية. وتشير محمد إلى أنه بعد الانتهاء من تصميم البرنامج، تم الوصول حالياً لمرحلة التقييم القبلي لمجموعة من الأطفال، وبدأت الجلسات الفردية لهم، حتى الحصول على العدد المناسب لكل جلسة، الذي يتراوح ما بين 4 إلى 6 أطفال يشرف عليهم معالجون، رئيسي ومساعد. أصداء الحضور وآراؤهم تُصرح الرائدة مي محمود، مديرة دار الإيواء في الدعم الاجتماعي، أن حضورهم لهذه الورشة جاء من منطلق اهتمامهم بالأطفال ضحايا الاعتداءات الجسدية أو النفسية، وتعاملهم مع مركز حماية الطفل بشكل دائم. وعلى هامش الفوائد التي تم الخروج بها من حضورهم لهذه الورشة التدريبية، تقول محمود: تعلمنا كيفية التعامل بعمق مع الأطفال، ومتابعتهم طوال الفترة التي يقيمون فيها في دار الإيواء، من خلال الاستناد إلى النظريات النفسية، التي من شأنها أن تساعدنا على الوصول إلى الأطفال، وتمكينهم من البوح بما يزعجهم، بغية التخفيف عنهم، مشيدة بتميز فكرة إشراقة، لكونها الأولى المتخصصة من نوعها، وتقول: منذ بداية تأسيس مركز حماية الطفل، أصبح هناك اتجاه بأنظار المعنيين إزاء القضايا المعنيّة بالأطفال على اختلاف أنواعها، التي كنا من مدة قريبة فيها، ويتم إلقاء الضوء عليها ولكنها لم تكن تحظى بالدعم الكافي، لكن حالياً أصبح هناك اهتمام وعلاج كافيين. فيما تتوجه الملازم موزة راشد الخابوري، مديرة فرع البرامج المجتمعية في إدارة الشرطة المجتمعية مركز الدعم الاجتماعي، بالشكر للحكومة الرشيدة ووزارة الداخلية لتقديمهم الدعم اللامحدود لهم وللقائمين على هذه الورشة التدريبية والبرنامج ككل، نظراً لاعتنائه بمثل هذه القضايا ذات الحساسية الشديدة، خصوصاً وأنها تحدث في مجتمع الأطفال المُنغلق على نفسه والمجتمع القبلي المتحفظ الذي نعيش ضمن حدوده، ويستبعد الضرر من القريب، بل ويلجأ إلى التستر عليه، بحجة العيب والعادات والتقاليد، وتتابع الخابوري: علمتنا الورشة كيفية تقبل مثل هذه المشكلات نفسياً، من خلال تطرقها لموضوعات عدة هادفة وُضعت لها خطة حالية أو مستقبلية ترشد القائمين عليها للتعامل مع حالات الأطفال بكل جوانبها، حيث استفدنا من هذا البرنامج، لما يوفره من خبرات مؤهلة، تُمكننا من الرجوع إلى أعمالنا، وفي حوزتنا حقيبة من الخبرات والمعلومات التفصيلية، لننقلها إلى الموظفين والعاملين معنا، فالموظف سفير في رأيي وبحضوره لهذه الورشات يستفيد شخصياً ويعكس هذه الاستفادة ومردودها على نطاق عمله. وتضيف المُساعد أول علياء سعيد بن ياعد، موظفة في إدارة الشرطة المجتمعية مركز الدعم الاجتماعي، أن إشراقة نتاج عمل إنساني بحت، يعالج قضية في غاية الأهمية، ومن المفترض أن يكون لها حلول، فالطفل في بداية الأمر وآخره إنسان ضعيف، يحتاج إلى الرعاية سواء تعرض للاعتداء من القريب أو البعيد، حيث تتوحد كل أنواع هذه الاعتداءات في الضرر النفسي والجسماني الذي تخلفه لدى الطفل، ما يضطره إلى الخضوع إلى علاج مكثف، للخروج من المحنة التي تعرض لها.

مشاركة :