ترجح السيناريوهات المطروحة للمرحلة المقبلة في تركيا بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي حرمت حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة، خيار الانتخابات النيابية المبكرة، لحسم موضوع تأليف الحكومة التركية الجديدة بعد استبعاد رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان فكرة «حكومة الأقلية»، التي كانت تعتبر أحد الخيارات أمام الحزب الحاكم في ظل رفض أحزاب المعارضة الدخول في ائتلاف انتخابي أو شروطها غير الممكن القبول بها من قبل الحزب الحاكم، الذي أدار البلاد 13 سنة منفردا، ولدت خلالها الكثير من الخصومات مع أحزاب المعارضة، التي لا تبدو هي الأخرى قادرة على تشكيل الحكومة بسبب تناقضاتها، وخصوصا بين القوميين والأكراد الذين دخلوا البرلمان الجديد بقوة. ADVERTISING وقالت مصادر تركية معارضة لـ«الشرق الأوسط» إن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، يسعى لبلورة تفاهم بالحد الأدنى بين حزب الحركة القومية وحزب «ديمقراطية الشعوب» الكردي للدخول في ائتلاف يشكل الحكومة، باعتبار أن هذه الأحزاب مجتمعة تمتلك أكثرية تخولها تأليف الحكومة. لكن المصادر نفسها اعترفت بصعوبة الأمر. ومن المفترض أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات النتائج النهائية للعملية الانتخابية، مطلع الأسبوع المقبل، بعد دراسة الطعون المقدمة إليها، على أن يجتمع البرلمان بعد ذلك بخمسة أيام لأداء قسم اليمين الذي قد يستغرق يوما كاملا، على أن ينتقل النواب بعد استراحة قصيرة، إلى عملية انتخاب رئيس للبرلمان الجديد، الذي سيكون اسمه من إشارات التوافق بين حزب العدالة والتنمية وأحد أحزاب المعارضة، لأن هذا الموقع سيكون أول التنازلات التي سيقدمها الحزب الحاكم من أجل الائتلاف. وقالت مصادر تركية إن الخيار الأول في هذه الانتخابات سيكون الائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، أما الخيار الثاني فهو الائتلاف مع حزب الحركة القومية، مستبعدة بشكل قاطع أي ائتلاف مع الأكراد. وأوضحت المصادر أن تصويت نواب العدالة والتنمية لصالح رئيس للبرلمان من أحد الحزبين، معناه الوصول إلى اتفاق بينهما على الدخول في الائتلاف. أما ائتلاف المعارضين لانتخاب رئيس منهم من دون حزب العدالة، فمعناه أن الأمور مفتوحة على احتمال الانتخابات المبكرة. وكشفت المصادر أن الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري دينيزبايكال هو المرشح الأبرز لهذا المنصب، في حال الائتلاف بين العدالة والجمهوري، أما في حال ائتلاف العدالة مع «القومي»، فمعناه أن نائبة رئيس البرلمان الحالية إميرال شنر ستكون هي رئيسة البرلمان. وفيما بدا أن حزب الشعب الجمهوري خفف من اعتراضه على الائتلاف مع الحزب الحاكم، لاحظ مراقبون «الغزل» الذي بدأ من قبل مقربين من إردوغان حيال حزب الحركة القومية بتذكيرهم بـ«مواقفهم الوطنية»، خصوصا أن الحزب يقترب من السياسة العامة للحكومة، إلا في موضوع الأكراد والسلام معهم. وأشارت صحيفة «تركيا» الموالية، أمس، إلى أن رئيس حزب الحركة القومية دولت باهجلي كان غالبًا ما ينتقد تصرفات حزب العدالة والتنمية ولكنه كان في الوقت ذاته سبّاقًا إلى تأييد الحكومة في القضايا الوطنية. وأوردت الصحيفة بعض المواقف، ومنها تأمين الحزب للنصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس السابق عبد الله غل، عام 2007، رغم عدم تصويتهم له، وكذلك موقفه من قانون السماح بارتداء الحجاب في تركيا الذي رفضه حزب الشعب الجمهوري، بالإضافة إلى دعمه للحكومة في موضوع تغيير نظام التعليم، كما دعمه لتغيير بعض بنود الدستور لإسقاط الدعوى التي أُقيمت لإغلاق حزب العدالة والتنمية في عام 2008. وأعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، أن حزبه يعطي الأولوية للائتلاف مع أحزاب المعارضة بالدرجة الأولى، مشيرا إلى أنهم سيبحثون الخيارات الأخرى في حال فشل أحزاب المعارضة لتحقيق ذلك. وشدد في حديث مع صحيفة «يني شفق»، على «ضرورة عدم بقاء تركيا دون حكومة، وفي هذا الإطار نمنح الأولوية للبحث في سبل الائتلاف على حساب الخطوط الحمراء في الحزب». وقال: «حين تكليف رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو بمهمة تشكيل الحكومة، سيقوم بمقابلة رؤساء أحزاب المعارضة، وسيقدم لنا مقترحات بهذا الخصوص، سنعقد وقتها اجتماعا مع مسؤولي الحزب لتقييم هذه المقترحات. لكن نفضل بالدرجة الأولى تشكيل حكومة ائتلافية خالية من العدالة والتنمية». ويدرس حزب العدالة والتنمية التركي نتائج الانتخابات البرلمانية، من أجل رسم استراتيجية للتعاطي مع نتائجها. وأكدت مصادر قريبة من رئاسة الحكومة التركية لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب الحاكم بدأ عملية «استخلاص عبر» واسعة من نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتراجع نتائج الحزب فيها، مشيرة في المقابل إلى أن الشعب التركي أرسل (عبر هذه النتائج) رسالة واضحة، مفادها أنه يريد أن يبقى حزب العدالة والتنمية، الحزب الأول في قيادة البلاد، لكنه «الشعب» أبدى ملاحظاته على الأداء والبرنامج، وهو ما سنأخذه في الاعتبار. وعما إذا ما كان النظام الرئاسي من أول ضحايا الانتخابات، قال المصدر: «ربما.. سنبدأ عملية التقييم وبعدها نرى النتائج». وكشف المصدر أن حزب العدالة بدأ عملية «استفتاء» داخلية حول نتائج الانتخابات وأسباب التراجع، كما سيكلف مؤسسات موثوقة إجراء استطلاعات رأي للناخبين، لمعرفة رأيهم بالسيناريوهات المطروحة، وموقفهم من إجراء انتخابات نيابية مبكرة. إلى ذلك، دعا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، جميع الأحزاب السياسية في بلاده إلى التفكير بهدوء من أجل تخطي المرحلة الحالية بأقل الأضرار، وتحمل المسؤولية من أجل مستقبل تركيا. وقال إردوغان، في كلمة ألقاها، خلال حفل تخريج طلاب أجانب بقصر للمؤتمرات في العاصمة أنقرة، إن نتائج الانتخابات التي جرت الأحد الماضي «تعكس الإرادة الشعبية، وعلى الجميع أن يبدي احترامه لقرار الشعب». وأضاف أن النتائج «تشير إلى أن شعبنا أراد مشهدًا سياسيًا لا يتيح إمكانية تشكيل حزب بمفرده للحكومة»، متمنيا أن «تقرأ جميع الأحزاب السياسية هذا المشهد بشكل صحيح (...) هذا المشهد الذي لا يتيح حكم حزب واحد، لا يعني أن تركيا ستبقى بلا حكومة. كانت تركيا، حتى يوم الانتخابات في مواجهة مشهد مختلف، وبدءًا من يوم الاثنين الماضي (عقب يوم الانتخابات) أصبحت في مواجهة مشهد آخر». وشدد الرئيس التركي على أنه سيؤدي جميع المهام التي ألقاها الدستور على عاتقه كرئيس للجمهورية خلال المرحلة الحالية. وأعرب عن اعتقاده بأن جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان ستستخدم خياراتها، ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور والقانون، من أجل الحل، وليس من أجل إثارة أزمة. وأكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو زعيم حزب العدالة والتنمية، أن نتائج الانتخابات العامة الأخيرة، أظهرت استحالة تصور المشهد السياسي التركي، دون «العدالة والتنمية». وقال في كلمة له، خلال اجتماعه في أنقرة، مع رؤساء فروع الحزب على مستوى الولايات، إن حزبه سيواصل إدارة وتوجيه السياسة التركية، اليوم وغدًا، وفي المستقبل القريب والبعيد، وإن على الجميع قراءة نتائج الانتخابات بشكل صحيح. وأضاف: «سنراجع حساباتنا جميعًا، لذلك سنناقش مستقبل تركيا السياسي، ومكانة حزبنا في هذا المستقبل»، مشيرًا أن العدالة والتنمية هو حزب تركيا الأوحد الذي يحتضن مختلف الشرائح. وأشار داود أوغلو إلى أن حزبه لم يتمكن من الفوز بمقاعد نيابية عن 5 ولايات فقط، فيما لم يفز حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بأي مقعد في 37 ولاية (من أصل 81 ولاية)، داعيًا المعارضة، كمال قليجدار أوغلو إلى التمعن في مستوى التمثيل الذي ناله حزبه على مستوى البلاد. وذكر داود أوغلو، أن الحزب الذي لا يحظى بتمثيل 37 ولاية، غير جدير بإدارة البلاد، مهما ادعى ذلك، مطالبا أعضاء العدالة والتنمية بالمحافظة على الثقة بالنفس، وعدم الاكتراث للحملات الرامية لبث التشاؤم والإحباط في صفوف الحزب. واعترف داود أوغلو بأن الشعب رفض خيار «النظام الرئاسي»، قائلا: «أنا لا أعارض النظام البرلماني، ولم أكن في يوم من الأيام معارضا له. ولكن حاولنا أن نحول البلاد إلى النظام الرئاسي، إلا أن الشعب قال كلمته وأعلن رفضه لهذا النظام». وفي الإطار نفسه، أوضح زعيم حزب «الشعوب الديمقراطي»، صلاح الدين دميرطاش، أن جر البلاد لمناقشة إجراء انتخابات مبكرة بسرعة، لا يعود بالفائدة على أحد. وأكد دميرطاش في تصريحات صحافية، أن حزبه يؤيد تشكيل حكومة ائتلافية، منوها بأن المباحثات لتشكيلها ينبغي أن تكون بين الأحزاب، وليس تحت سقف رئاسة الجمهورية. ولفت دميرطاش إلى أن معارضتهم للانتقال إلى النظام الرئاسي في البلاد، غير نابعة من مسألة شخصية، أو عداوة خاصة تجاه رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان.
مشاركة :