منى السعودي.. علاقة جدلية بين الشِعر والحجر

  • 6/13/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تنبثق منحوتات الفنانة الأردنية منى السعودي من علاقة جدلية بين الحجر والشعر، فمن المادة الصلبة والقاسية تولد منحوتات شديدة الهدوء والسكينة والحساسية. تبني الفنانة منحوتاتها بأسلوب يظهر عمق نظرتها لأصل الإنسان والأرض، فتضفي على الأشكال الهندسية التي تبتكرها من مربعات ومثلثات ودوائر حياة كاملة، تقوم على التطور والتقدم في العمر، لنشعر كأنها تهبها للحياة. الفنانة التي كانت مخلصة للأرض في كل أعمالها تقدم من خلال معرض شعر في الحجر الذي افتتح أخيراً في غاليري لوري شبيبي بدبي، مجموعة من المنحوتات التي تقدم فيها جمالية الإنسان والأمومة والطبيعة، وكذلك الشعر في لوحات تمزج بين النص واللون. سيرة ولدت منى السعودي في عمّان عام 1945، ومنذ صغرها عشقت الفن والشعر والموسيقى، وكان حلمها منذ الطفولة السفر إلى العاصمة الفرنسية. رفض والدها السماح لها بالالتحاق بالجامعة في سن 17 عاماً، فسافرت إلى بيروت متحدية منعه لتجد نفسها وسط المفكرين والشعراء والرسامين والنحاتين. في عام 1963 أقامت أول معرض رسومات في مقهى الصحافة، واستفادت من عوائد المعرض في شراء تذكرة إلى باريس. وفي العاصمة الفرنسية التحقت منى السعودي بكلية الفنون الجميلة، وسرعان ما انصبت دراستها واهتمامها على فن النحت. مقتنيات توجد أعمال منى السعودي ضمن مقتنيات المتحف الوطني للنساء في الفنون في واشنطن، ومؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في عمّان، ومتحف الشارقة للفنون في الشارقة، ودارة الفنون - مؤسسة خالد شومان في عمّان، ومتحف سرسق في بيروت، ودار الآثار الإسلامية في الكويت، ومتحف الفن الحديث في الكويت، ووزارة الثقافة في القاهرة، ومتحف أصيلة في المغرب، والسفارة الفرنسية في عمّان، ومعهد العالم الفني في باريس. ترتبط النحاتة الأردنية بالأرض بشكل واضح، وهذا لا ينبثق من حرصها على النحت من الحجر فحسب، وإنما من خلال الطبيعة التي تتحدث إليها في المنحوتات، فغالباً ما نشهد هذا الإصرار على إبرازها في العمل. وتسعى الى توطيد الانتماء للأرض من خلال الحجر المختلف الأنواع الذي تستخدمه في النحت، كالديوريت الأسود من سورية، والمرمر من اليمن، والحجر الجيري الوردي من الأردن، الى جانب الحجر الرخامي، والرخام الأردني، والرخام الايطالي والأميركي، والحجر الأصفر اللبناني. تختار من بين أنواع الحجارة، ثم تعتمد على مفهوم التكوين، فنجدها أكثر ميلاً الى الخصوبة والأمومة في أعمالها، وقد جسدت هذا المضمون في احتمالات لامتناهية، كان أحدها في المعرض الذي ضم سبع منحوتات ومجموعة من اللوحات. تقدم السعودي في معرضها الذي يستمر حتى 16 يوليو، الحجر بأسلوب تجريدي، لا ينطوي على أشكال مألوفة، بل إن منحوتاتها تتسم بالميل الى السكون والهدوء القائم على علاقة التضاد بين الصلابة والشاعرية، والقسوة والقوة من جهة، والليونة والانسيابية من جهة أخرى. وتقدم الى جانب المنحوتات في المعرض مجموعة من اللوحات التي تجمع فيها الشعر باللون، وهو الجانب الآخر من علاقتها بالشعر. وعلى الرغم من كتابتها للشعر، فإنها جسدت في هذا الجانب قصائد شعراء أحبت شعرهم، منهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش، حيث جمعتهما صداقة شخصية من بداية سبعينات القرن العشرين إلى حين وفاته في عام 2008، ومن القصائد التي جسدتها قصيدة الأرض، وتلك صورتها وهذا انتحار العاشق، ونشيد إلى الأخضر، مختارة مقاطع من تلك القصائد، لتكون جزءاً من تكوين لوحاتها. وقالت منى السعودي لـالإمارات اليوم، إن عنوان المعرض شعر في الحجر أتى من العلاقة الكبيرة بين النحت والشعر، والأول ليس تمثيلاً للكلمة، فالشعر جملة صغيرة تقدم إيحاءات كبيرة، والنحت هو تجسيد للشعر، وأعتقد أن الشعر أقرب نوع من الابداع الأدبي للنحت. وأردفت النحت صلب في أثناء تكوينه، لكن عندما يصبح جاهزاً للمتلقي يصبح عميقاً في المعني وشديد الجمال والشاعرية، وكتبت في إحدى قصائدي، حين تفقد الحجارة أوزانها، تصير قصائد. ورأت أن النساء يمكنهن القيام بأعمال صعبة، فالنحت ليس أصعب من عمل امرأة ترعى الغنم، أو تحرث الارض في حقلها، كما أن النساء في الماضي كن يقمن بأعمال شاقة في المنزل، معتبرة أن النحت هو الإيمان بما يقوم به المرء، وهذا ما يؤدي للاستمرارية. وأشارت الى أن عدد النحاتين أقل من عدد التشكيليين لمتطلبات عدة، فهو يستغرق زمناً أطول من الرسم، ويحتاج مكانا واسعا يتحمل كميات من الغبار والأصوات. وأشارت الى أن اقتراب تجربتها من التجريد وابتعادها عن التجسيد يرتبط بكونها ترى أن للشرقيين ذاكرة تجريدية، وتفكيراً تجريدياً. عاشت السعودي في مجموعة من البلدان منها لبنان وفرنسا، وقالت عن علاقتها بالثقافات المتعددة الثقافة من الأمور الأساسية في تكوين الانسان، وهي تنبع من التعطش لمعرفة الثقافات الأخرى، والاطلاع على ما قدموا، أما المدن فهي غير مؤثرة في الإنسان، لأن الطبيعة هي التي تؤثر في الإنسان، والفنان بحاجة لرؤية جمال الطبيعة المتغير دائماً. وشددت على أن المنحوتة ليست فكرة، وأنها تعمل على تكوين العناصر التي تشكل عملها، والتي تتفاقم مع الوقت ويمتزج القديم منها مع الجديد، فالنحت هو بحث في الشكل، ويكون بالملاحظة أولاً. أما الشعر والشعراء الذين أحبت شعرهم وقدمت لهم الكثير من الأعمال، فقالت عنهم أجسد الشعر الذي أشعر معه كأنني أنا كتبته، كجملة أدونيس كل حجر مسكون بالغيب، فهناك مفاتيح بالشعر تجعلني أوجد أشكالاً بالخط. وحول اختيارها محمود درويش وأدونيس لأعمالها، أردفت لم أخترهما لأنهما قامتان كبيرتان، بل لأني أحببت شعرهما من الأول حتى الآخر، وقمت بتقديم أعمال لمجموعة من الشعراء، منهم شاعر فرنسي وكذلك شاعر فلسطيني يدعى راشد حسين، ومعين بسيسو، بينما الأعمال الكبيرة كانت لأدونيس ودرويش. واعتبرت النحاتة الاردنية أن تحديات النحت في العالم العربي تكمن في كون النحت يعد من الفنون الصعبة، اذ يمكن أن يواصل النحات عمله في إنتاج الأعمال الصغيرة، بينما الأعمال الكبيرة تحتاج لمؤسسات كي تنتجها، لأن تكلفتها عالية جداً. وأشارت الى كون العالم العربي شهد تجربة مميزة مع النحت، في مصر والعراق بدأت في الستينات والسبعينات، إذ أنتجوا أعمالاً فنية جميلة، لكن في ما بعد أتت الانظمة التي جعلت المدن مليئة بتماثيل للزعماء بدلاً من منحوتات تحمل رؤية فنية في الساحات العامة. ولفتت الى كون غياب النحت من الأماكن العامة يبدأ من قلة الاهتمام لدى المسؤولين، وليس بسبب مشكلة غياب الثقافة، موضحة أن هناك نقصاً أيضاً في المتاحف. أما اقتناء النحت، بحسب السعودي، فيكون من قبل الأشخاص الذين يحبونه، مبينة أن من اقتنوا منحوتاتها أصبحوا أصدقاءها، لأنهم يملكون المنحى نفسه في التفكير وفي النظرة للوجود. وشددت على أنها لا تنتج كي تبيع، بل تنتج لأنها تحب النحت، وكلما زاد عدد المنحوتات بالقرب منها تكون سعيدة. وحول حركة الفن في الإمارات، أكدت أنها معجبة بالتقدم الثقافي في كل الإمارات، وأعربت عن رغبتها في التعرف إلى الحركة الفنية، مشيرة إلى أن المعارض والمزادات تزيد من الحركة في سوق الفن، وتعزز السياحة الثقافية.

مشاركة :