أثار تراجع المؤشرات الاقتصادية في تونس أخيراً، موجة شديدة من الاستياء والتّرقّب. واعتبر محلّلون أنّ عزوف الشباب عن العمل السياسي والمدني وإنشاء جميعات أهلية يعتبران سبباً رئيسيّا من أسباب هذا التراجع ونتيجة لها في آن، خصوصاً بعدما نجحت هذه الفئة خلال الفترة التي تلت «ثورة الحرية والكرامة» في فرض نفسها كطرف فاعل ومؤثر. ولئن واصلت بعض المجموعات الشبابية التي تضمّ مدونين وناشطين حقوقيين العمل الميداني عبر تنظيم الاحتجاجات السلمية والتظاهرات، إلا إنّ رفض الشباب الانضمام إلى أحزاب سياسية وتكوين جمعيات ومنظمات نظاميّة حدّا من فاعلية نشاطاتهم التي شهدت معارضة شديدة من القوى الأمنية بدعوى عدم مشروعيتها. وتعدّدت دعوات السياسيين إلى ضرورة إشراك الشباب في العمل الحزبي والمدني، ولكن من دون جدوى. وفي شرح أسباب هذه الظاهرة أكّد عضو جمعيّة «تضامن» الفرنسية التونسية مهدي صفر لـ «الحياة» أن «العمل الحزبي لا يستهوي شباب تونس بسبب فساد الطبقات السياسية واحتكارها القرار وتهميشها العنصرين النسائي والشبابي واستخدامهما فقط من أجل تسويق صورة مغلوطة تحاكي التطوّر الذي بلغته الأحزاب السياسية في الدول المتقدمة». وبخصوص العمل المدني الشبابي أضاف صفر: «كانت هناك محاولات جادة من أجل إرساء العمل المدني في تونس في مرحلة ما بعد الثورة. فبعض الجهات المانحة التي دعمت شباب الثورة في البداية سرعان ما تراجعت عن مبادراتها بعد فشل بعض مديري المنظمات في تطوير مشاريعهم، حتى أن بعضها أفلس وأغلق أبوابه فيما اتهم آخرون بالتلاعب وعدم الصدقيّة. غير أن هذا لا ينفي نجاح بعض الجمعيات الشبابية في مواصلة العمل والنجاح ومحاولة التغيير وأهمها منظمات تعنى بتطوير الإعلام والصحّة والتعليم.» وأكّد زياد زراعي المدير التنفيذي لمنظمة «راج تونس» أن «مناخ العنف الذي شهدته البلاد سنتين بعد الثورة هو السبب الرئيسي وراء انكماش فئة الشباب وعزوفها عن العمل السياسي والمدني. إلا أن الظروف نفسها خلقت طفرة جسّدها تكاثر عدد من المنظمات العشوائية التي عمدت إلى إخفاء مصادر تمويلها ما أسفر عن ظهور جمعيات دينية مشبوهة.» وأضاف الزارعي: «من جهة أخرى سمحت التحولات الجديدة للشباب بالاحتكاك بالتجارب الحقوقية السياسية الإقليمية والعالمية ما مكّنهم من إنجاح بعض المشاريع في المجال المدني، إلا أن هذا القطاع مازال يشكو من ضعف التسيير ونقص الشفافية وغيرهما من المشاكل التي تعيق تطوّره.» وحول مدى نجاح المنظمات الشبابية في تحقيق أهدافها قال الزراعي: «هنالك بعض النجاحات المتعلقة خصوصاً بالتكوين والتأطير ولكنّ النقائص كبيرة مما حوّل وجهة هذه المشاريع التي تمّ استقطاب غالبيتها من طرف الأحزاب السياسية بسبب ضعف الموارد، خصوصاً أن العديد من المنظمات، وعكس المرجوّ، أصبحت مجرّد مشاريع تجاريّة تشرّع للتّشغيل الهش وتستغلّ الطاقات الشابّة تحت مسمى العمل التطوّعي فتسطو على مبادراتهم ويتصرّف مسؤولوها بطرق فيها الكثير من الاستهتار بحقوق الشاب المادية والمعنوية».
مشاركة :