يشبه النقاد تقنيات السرد في الرواية، بهندسة المبنى الروائي الذي يجب أن يشتغل وبحرفية عالية على مجموعة من العناصر وهي: الحدث، الشخصيات، الزمان، المكان، السرد، الحوار، اللغة. وبناء عليه فإن استيفاء هذه العناصر في السرد الروائي هو حتمية ضرورية، وإلا فإن هناك خللا، لا يستقيم معه العمل الروائي الذي يقوم من حيث المبدأ على ركيزة أساسية هي الحدث بوصفه العمود الفقري لمجمل العناصر الفنية السّابقة، وهو ليس تماماً كالحدث الواقعي (في الحياة اليومية) وإن انطلق أساساً من الواقع، ذلك لأن الكاتب حين يكتب روايته يختار من الأحداث الحياتية ما يراه مناسباً لكتابة روايته، كما أنه ينتقي ويحذف ويضيف من مخزونه الثقافي ومن خياله الفني، ما يجعل من الحدث الروائي شيئاً آخر، لا نجد له في واقعنا حدثاً طبق الأصل، الأمر الذي ينشأ عنه ظهور عدد من التقنيات السردية المختلفة كالارتداد، والمونولوج الداخلي، والمشهد الحواري، والقفز، والتلخيص، والوصف، وغيرها من التقنيات. يمكن الاستدلال بهذه العناصر لقياسها على تجربة السرد الإماراتي، الذي لم يقاربه النقاد كما ينبغي، لا سيّما مع نشاط الساحة المحلية في السنوات الخمس الماضية، وبروز إصدارات كثيرة تحت مسمّى الرواية جنساً أدبياً، وبين الآراء المتشائمة التي ترى أن هذا المنجز لا تنطبق عليه تسمية رواية بالمعنى الحرفي للتسمية، ثمة أصوات متفائلة ترى في المنجز شيئاً يستحق التقدير، ويمكن التعامل مع هذه الإصدارات على أنها روايات مكتملة من دون حرج، ومن الأسماء المرشحة بقوة في هذا السياق يمكن ذكر: سارة الجروان، فتحية النمر، فاطمة المزروعي، لولوة المنصوري، نادية النجار، منال علي بن عمرو، ريم الكمالي، مريم مسعود الشحّي، مريم الغفلي، هند سيف البار، إيمان اليوسف وغيرهن الكثير. الأسماء الواردة أعلاه، هي استكمال لتجربة متميّزة في جنس السرد الروائي في أعمال رصينة لكل من: صالحة غابش ورحاب الكيلاني، وباسمة يونس وآمنة المنصوري، وفاطمة السويدي، وميسون القاسمي، ووفاء العميمي وغيرهن. تتجلى في الأعمال السابقة ركيزة الرواية، من حيث بنية السرد والموازنة بين الوصف والمونولوغ الداخلي والديالوغ والحوار، كما أن اللغة المكتوبة في هذه الروايات تتوفر فيها حدود معقولة من الرقي، وهي مكتوبة بأسلوب يقدم المتعة والإقناع والجمال. ومما قيل في المنجز الروائي السابق، ما يتعلق بالشخصيات كنماذج نجح أصحابها في توظيفها شخصياتٍ ناميةً، وهي في مجملها شخصيات تمزج بين الواقع والخيال، وتراوح بين الفانتازي والواقعي، ولها مخاوف وآمال، ونقاط ضعف وقوة، كما أنها شخصيات هادفة وتحب الحياة. من المهم في هذا السياق تتبع الكتابات النقدية التي قدمها د. سمر روحي الفيصل، في استجلائه للمشهد الروائي بعامة، كما لا ننسى ما قدمه الناقد د. صالح هويدي، والاثنان وقفا على إيجابيات الرواية في الإمارات ومثالبها، في ضوء دراسات تحليلية مفصلة. وهو الذي درسه نقاد آخرون بشأن المشهد السردي الروائي الجديد، ومؤخراً قال الناقد الجزائري خالد بن ققة في رواية نقول الكثير في مزحة لمنال علي بن عمرو نص يطفح بالكثير من القيم الإنسانية والعاطفية، وفيه دفء في الكلمات وحميمية غير معهودة، وهو يتحرّى صيغة الكتابة المعاصرة ببعدها البشري، لجهة تعبير الأجيال الجديدة. جاء ذلك في سياق تتبع بن ققة لأعمال أخرى صدرت مثل سلطنة هرمز لريم الكمالي و أنثى ترفض العيش وفراشة من نور لمريم الشحّي. كمائن العتمة لفاطمة المزروعي استثارت شهية النقاد، فقيل فيها إنها رواية تمثل خطوة جديدة باتجاه تنويع أشكال تجربتها السردية، من خلال مغامرة جديدة تقوم على استخدام تقنيات مغايرة لمنجزها السابق في الكتابة الروائية، في إطار ما يعرف برواية تيار الوعي التي تقوم على تحطيم وحدة الزمان والمكان، بهدف الانتقال من البعد الواقعي للأحداث إلى انعكاس مدركها على الذات، عبر لغة تقوم على تأمل الذات واستجلاء صورة الوعي الذاتي أو الداخلي لشخصية بطلة الرواية. ولكون معظم الإنتاج الروائي الجديد في الإمارات هو لكاتبات، فقد صدر مؤخراً عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة كتاب السرديات النسوية الحديثة في الإمارات - مقاربات نقدية في الرؤية والتشكيل لليلى بنت يوسف، وقد احتوى على ثلاثة فصول: موضوعات الرواية النسوية الإماراتية، تقنيات البنية السردية في الرواية النسوية - معالم التجديد، التطور في الرواية النسوية الإماراتية، وأبرز ما فيه يؤكد أن الرواية النسائية في الإمارات تمكنت أن تخلق لها مكاناً مميّزاً، وتبرز بصمتها الأصلية، وتدخل معترك السرد الروائي لتعالج مشكلات الإنسان عموماً، والمرأة خصوصاً، بمنظار واقعي في أغلبه، امتثالاً لوجهة نظر الكاتبات اللاتي يدركن أن الرواية باتت الوعاء الفني الأكثر استيعاباً لقضايا العصر ومشكلات المجتمع، بل واستيعاب مشكلات الروائيات أنفسهن، وهمومهنّ. في تناوله لأربعة أعمال روائية عذراء وولي وساحر لسارة الجروان وكونار لهند سيف البار ونداء الأماكن لمريم الغفلي وسلطنة هرمز لريم الكمالي، يقدم الناقد نبيل سليمان دراسة بعنوان الفانتاستيك في روايات إماراتية، يرصد من خلالها تلك العوالم العجائبية التي يشتبك فيها الغرائبي بالخارق، وهي دراسة تتبع فنيات السرد ضمن العنوان المشار إليه الفانتاستيك مكين في الحنايا وفي اللاشعور، وفي تلك العتمات التي تزخر بها ثقافتنا الشعبية وثقافتنا العالمة، ترمح السرود والحكايات والخرافات والقصص والأساطير، فيحضر الجن مثلًا إلى الروايات، ليكون للمخيلة لعبها ويكون لواحدنا توقه إلى المجهول.
مشاركة :