لا ينقضي يوم واحد الآن دون أن يغمرنا وابل من المقالات الطبية والنشرات الإعلامية التي تتناول التطورات السريعة لفيروس كورونا المستجد الذي يطلق عليه COVID-19. ولهذا ما يبرره حقا، بعد أن تفشى الوباء عالميا ليبلغ عدد المصابين به نحو 100 ألف حالة مؤكدة على مستوى العالم. ولا يسعني سوى التساؤل حول كيفية تعامل الجمهور العام مع هذا الكم الهائل من المعلومات في الوقت الذي أجدها عصية على الاستيعاب والفهم وأنا الطبيب المدرب والإخصائي في علم الوبائيات والممارس في مجال الصحة العامة على مستوى العالم. وكيف لنا أن ننتظر من عامة الجمهور التعامل معها جميعا والتمييز بين ما هو غث وسمين منها، وتفادي المتاجرة بالخوف وتأجيجه؟ فواقع الأمر أنك لن تصاب بفيروس كورونا حال استلمت طردا قادما من الصين أو إذا تناولت الطعام في أحد المطاعم الصينية، مع وجوب الالتزام بأحدث المستجدات ذات الصلة ومواكبة التغييرات الواجب تفعيلها على السلوكيات الأساسية. فبيت القصيد في النهاية هو التواصل مع الجمهور العام بالرسائل والإرشادات الصحيحة التي تضمن الامتثال إلى أفضل الممارسات المستندة إلى أسس علمية. وعلينا أن نتساءل، هل كان بإمكاننا تحقيق أفضل مما حققناه، في ظل انتشاره في المجتمعات المحلية في نحو 20 بلدا من مناطق مختلفة حول العالم؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا العودة إلى مطلع كانون الثاني (يناير)، وتجاوز ما تسبب في تفشيه منذ البداية. يتزايد التداخل والترابط بين العلوم البيئية للبشر وللحيوانات، فلننظر مثلا إلى قطع غابات الأمازون لأغراض الزراعة وتربية الماشية، أو القطع الجائر لأشجار غابات كاليمنتان من أجل إنتاج زيت النخيل. ومن المتوقع أن يتزايد ظهور الأمراض حيوانية المنشأ التي تصيب الإنسان نتيجة التقلبات المناخية والبيئية السريعة، ومع استمرار زحفنا نحن البشر تجاه مناطق الحيوانات، بما في ذلك الكائنات الناقلة للآفات والأمراض الحيوانية التي تصيب الإنسان. بل نستمر في صيد ونقل وتناول كثير من تلك الحيوانات كطعام، متغافلين تماما عن المبادئ الأساسية لنظافة الأغذية. والعنصر الثاني، فرصة انتقال الفيروس O إلى شخص آخر. حيث يشيع حدوث ذلك نتيجة تعامل شخص مصاب مع المحيطين به من أفراد أسرته أو المخالطين له في مجتمعه أو زملائه في العمل أو المدرسة؛ حيث ينتقل عبر الهواء أو الماء أو الأسطح؛ أو من خلال الوجود في أي تجمعات جماهيرية ضخمة "كمباريات كرة القدم ومواسم الحج والحفلات الموسيقية على سبيل المثال لا الحصر"، بينما يكون حاملا للفيروس وقادرا على نقل العدوى. ويمكن أن تصل فرصة انتقال الفيروس O إلى الصفر، أي تنعدم تماما فرصة نقله إلى الغير، إذا ظل الشخص معزولا تماما نتيجة مرضه الشديد أو احتجازه في المستشفى، ولا يسري ذلك إلا على عدد قليل من المصابين بالعدوى. والعنصر الثالث، إمكانية انتقال T الفيروس. وبافتراض أن هناك فرصة لانتقاله، فمن الضروري دراسة آليات انتقال الفيروس وطبيعة التواصل الشخصي بين الأفراد، حيث تنتقل الفيروسات التنفسية من شخص إلى آخر عبر الرذاذ المنبعث من المصاب عند السعال أو العطس؛ أو عن طريق الأسطح الملوثة به "مثل الصنابير ودرابزينات السلالم ومقابض الأبواب وقضبان الحافلات". وتعتمد احتمالية انتقال العدوى على طبيعة التلامس، إضافة إلى عدد من العوامل المحيطة الأخرى مثل ضغط الهواء والرطوبة ودرجة الحرارة، حيث تؤثر تلك العوامل في المدى الذي يظل فيه ذلك الرذاذ معلقا في الهواء وعلى المسافة التي يمكنه قطعها... يتبع.
مشاركة :