«كوفيد - 19» وعلم الوبائيات «2 من 2»

  • 3/29/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

إن طبيعة التواصل الشخصي بين الأفراد هي العنصر الحاسم في انتقال الفيروس. إنني أنتمي إلى ثقافة يشيع فيها الترحاب الحار، الذي لا يقتصر على المصافحة بالأيدي فقط؛ بل بالأحضان والقبلات على الخدين. وعشت أيضا في مجتمعات يحافظ فيها الأفراد على مسافة فيما بينهم عندما يتقابلون أو عند التحية، كأن يضعوا أيديهم على صدورهم وينحنوا باحترام ولطف. ولا يلزم أن يكون المرء عالما فذا ليدرك أي نوع من التحية هو الأكثر تهديدا بنقل العدوى، إذا تساوت جميع العوامل الأخرى. أما العنصر الأخير لمعدل الانتقال فهو استعداد (S) الفرد للإصابة عند التعرض للفيروس. فهل هو رضيع أم طفل أم سيدة حامل أم شخص مسن؟ هل يعاني مشكلات صحية أو ضعفا في الجهاز المناعي، أم هل تعرض بالفعل للعدوى الفيروسية ثم اكتسب مناعة ضدها؟ يمكننا أن نخرج من هذا العرض الموجز لأسس علم الأوبئة، برسالتين رئيستين. الأولى، هي أننا لا نستطيع السيطرة على فترة (D) الإعداء، إذا لم يتوافر أي لقاح أو علاج، كما هو واقع الحال مع فيروس كورونا المستجد. وليس بأيدينا سوى السيطرة على فرصة (O) الانتقال، إذا علمنا أن الفيروس قادر على الانتقال قبل ظهور أعراض الإصابة به، وهو ما يحد من فاعلية عزل الحالة المصابة. ولكن لا يزال هناك كثير مما يمكننا فعله لتقليص فرصة انتقال (O) الفيروس (T) والاستعداد (S) للإصابة به إلى أدنى مستوى ممكن. فالعثور على حالة الإصابة الأولى والسرعة في تتبع وعزل من تواصلوا معها، هو مفتاح القضاء على الخطر قبل انتشاره. ويتطلب تحقيق ذلك استعدادات جدية صارمة. ومن المؤسف أن أغلبية الدول (في ضوء نتائج مؤشر الأمن الصحي العالمي لعام 2009) لا تتمتع فيما يبدو بإمكانات المراقبة اللازمة واكتشاف الحالات وتشخيصها، للسيطرة على مخاطر الصحة العامة مثل، فيروس كورونا والحيلولة دون انتشاره. وجاء في التقرير أنه "لا تتمتع أي دولة بالاستعداد التام لمواجهة الأوبئة والجائحات، بينما تعد معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء الأقل استعدادا". وتحتاج تلك الأنظمة الصحية إلى استثمارات ضخمة في مجالات التدريب وإمكانيات المختبرات وإدارة حالات المصابين في بيئات رعاية صحية مجهزة على نحو سليم ومدروس. ويعد تعزيز استعداد أي دولة وقدرتها على الاستجابة، تعزيزا ودعما لقدرات جميع الدول الأخرى. والرسالة المستفادة الثانية هي ضرورة تمتع وسائل التواصل والإعلام الخاصة بوكالات وإدارات الصحة العامة بالقدرة على إحداث تأثير حقيقي في تغيير السلوكيات والمواقف. فجميعنا يدرك أهمية الإكثار من غسل اليدين وارتداء الكمامات عند مخالطتنا للمحيطين بنا عند الإصابة بالعدوى. ويسهم تزويد الجمهور بالمعلومات الأساسية في إحداث التغييرات السلوكية عند تفشي الجائحات، في ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية حفاظا على السلامة والمصلحة العامة على مستوى العالم. تشتمل السلوكيات الرئيسة على الأمانة في التبليغ والاختبار عند الاشتباه في الإصابة الفيروسية، والانعزال الاجتماعي طواعية والحد من التنقلات غير الضرورية، وما يترتب على ذلك من مكاسب إضافية بشأن انبعاثات الكربون؛ إن جاز لي أن أضيف. كما يتحتم علينا توجيه الشكر والعرفان للعاملين في مجال الصحة لما يواجهونه من ضغوط وإجهاد من التعامل مع الحالات، وتفادي اللجوء لطلب خدماتهم في غير ضرورة، لنمكنهم من التركيز على الحالات الخطرة ومن ظهرت عليهم الأعراض، والتركيز على صغار السن والسيدات الحوامل والمسنين ومن يعانون حالات مرضية موجودة سلفا نظرا لكونهم الأكثر عرضة للإصابة. ويتطلب تحقيق ذلك إعداد رسائل الصحة العامة الصارمة والمحكمة بالاعتماد على العناصر الأربعة سالفة الذكر. [2] ومن الممكن توظيف إمكانيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته باستخدام الهاتف المحمول في أغراض المتابعة الحية والمباشرة لتلك العناصر الأربعة لتبسيط أعباء المراقبة واكتشاف الحالات وعزلها، والمباعدة الاجتماعية، وتحديد المسارات الأنسب لتوجيه الجهود. كلمة أخيرة. تسعى الفيروسات للنجاة والتكاثر، شأنها شأن جميع الكائنات الحية. لذا فإنها تتحور وتتطور لتزيد من قوة فتكها وقدرتها على الانتقال والنجاة. ووفقا لما تبدو عليه الأوضاع الحالية، يتمتع فيروس كورونا المستجد بمعدل تكاثر مساو أو أكبر لمعدلات فيروسات كورونا الأخرى مثل "سارس" ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS، لكنه أقل منهما فتكا، حاليا على الأقل. [3] ومن المحتمل أن يتحول فيروس كورونا إلى داء موسمي كالإنفلونزا، أو قد يتحول إلى جائحة حقيقية، في أسوأ الأحوال. ولكن مع اقتراب فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي، فمن المتوقع أن يعمل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة على تقييد آليات انتشار الفيروس وتحسن الأوضاع. [4] وبصرف النظر عن ذلك، فقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يتحلى بأسس العولمة الحقيقية. فكل الدول ستعد ضعيفة الاستعداد لمواجهة هذه الجائحات، إن اتسمت دولة واحدة فقط بهذا الضعف. وهذا سبب تفعيلنا للوائح صحية دولية على الدول كي تمتثل لها، ولهذا نساعد كل الدول التي لا تمتلك ما يكفي من مقومات؛ لمواكبة الركب في هذا المسعى الأساسي. فجميعنا في مركب واحد وتظلنا سماء واحدة. بشرا وحيوانات على السواء.

مشاركة :