لم يكن كلينت، الشاب الأميركي من أصول إيطالية، والذي أنهى للتو الخدمة العسكرية، ينتظر هذه الكلمات المحبطة من المدير التنفيذي لأستديوهات يونيفيرسال الشهيرة، بعد تجربته كممثل في بداياته: "أسنانك بحاجة لتقويم، وتفاحة آدم لديك بارزة كثيراً، كما أنك تتحدث ببطء شديد". خرج كلينت وهو في قمة غضبه، ولكنه في قرارة نفسه، أقسم أن يعود لهذا الأستديو ممثلاً مشهوراً، ويلقن هذا المتعجرف درساً لن ينساه. اضطر كلينت للعمل في مهن متواضعة لكسب قوته، حيث عمل ميكانيكياً وعامل نظافة، وقبل بالمشاركة في أفلام هابطة، ولكن حلمه الذي يُمسك به على الدوام، هو الحصول على فرصة ما لإثبات موهبته الحقيقية في التمثيل. بسبب شكله الذي يُشبه رعاة البقر "الكابوي"، حصل على دور في مسلسل الغرب الأميركي "Rawhide" والذي استمر من عام إلى . ومن هذا المسلسل، بدأ نجمه في الظهور، وحصل على العديد من الأدوار في الكثير من الأفلام. اتجه كلينت إلى إيطاليا، حيث قام بالتمثيل في عدة أفلام عن حياة الغرب الأميركي التي اجاد تمثيلها بشكل رائع جداً، مع صديقه المخرج الايطالي سيرجيو ليوني، أشهرها "For a Few Dollars More"، ولكن الانطلاقة الحقيقية التي صنعت نجوميته على مستوى العالم، كانت بفضل الفيلم الرائع "The Good, the Bad and the Ugly"، والذي احتل المرتبة السادسة في قائمة IMDB، وهي قاعدة بيانات الأفلام العالمية على الإنترنت، لأفضل فيلماً عبر التاريخ. عاد "كلينت إيستوود" من إيطاليا، تسبقه شهرته الكبيرة، وحط رحاله في هوليوود، ليبدأ مشواره الأهم في مسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من عقود، وحصل فيها على الكثير من الألقاب والجوائز، وقام بتمثيل العديد من الأفلام المهمة التي حصدت إعجاب النقاد والجمهور، والتي أصبحت علامات بارزة في تاريخ السينما الأميركية والعالمية، مثل سلسلة أفلام "Dirty Harry "، وفيلم "Pale Rider"، وفيلم " Unforgiven “، وفيلم "Million Dollar Baby". كلينت إيستوود، من الممثلين القلائل الذين نجحوا في مجال الإخراج، بل إنه يُعتبر من أهم المخرجين العالميين، إضافة إلى موهبته الفريدة في التمثيل، فقد أخرج نصف أفلامه تقريباً والتي تبلغ فيلماً. كلينت إيستوود الآن، وهو في عمر ال ، يقول دائماً بأنه لم ينس تلك الكلمات القاسية جداً من ذلك المدير، لأنها كانت الشرارة التي أشعلت روح التحدي والإصرار والعزيمة لدى شاب في بداياته الأولى، ويحمل حلماً كبيراً يُريد تحقيقه مهما كانت الصعوبات والعراقيل. كلينت إيستوود، ابن عامل الصلب الذي ولد في عام ، والذي كان بالكاد يتفوه بعدة كلمات، سواء في حياته الطبيعية أو في أدواره السينمائية، والذي جرب الفشل في حياته كثيراً جداً، أصبح أحد أهم صناع السينما في التاريخ، ويملك سجلاً حافلاً من الإنجازات والجوائز والألقاب، فقد حصل على جائزة عالمية خلال مسيرته الإبداعية الطويلة، أهمها جوائز أوسكار، كما يحتل المرتبة ال من بين أهم مخرجاً بتاريخ هوليوود، والمرتبة ال في قائمة ال أسطورة في التمثيل في التاريخ الأميركي الحديث. تلك هي قصة كفاح ملهمة لهذا الممثل، جعلت منه أيقونة للسينما الأميركية، بل ورمزاً لأميركا. البدايات، مهما كانت بسيطة أو خجولة، ومهما تعثرت بدروب الفشل أو اصطدمت بصخرة المستحيل، فهي الانطلاقة الحقيقية باتجاه الهدف، مهما كان هذا الهدف. البدايات، هي من تصنع سيل المعجزات، وهي من ترفع سقف النهايات، خاصة حينما تكون ممزوجة بطعم الإصرار والتحدي والعزيمة والإلحاح. وحتى تتحقق أحلامنا التي تضج بها قلوبنا وتزدحم بها عقولنا، لابد أن نتخلص من مفردات اليأس والإحباط والخسارة والإخفاق من قائمة اختياراتنا، ونستعد دوماً لشحن ذواتنا بمشاعر الثقة والأمل والتفوق والنجاح. نعم، قد يكون الفشل، تجربة مؤلمة حد الوجع، ولكن الرهان دائماً، هو على الدروس والعبر والخبرات التي يلتقطها المؤمنون بأن الفشل مرة أو عدة مرات، ليس هو نهاية العالم، ولا يجب أن يكون سبباً لعدم الاستمرار في الطريق للوصول للهدف. في سجل الإنسانية الذي كتبته كل تلك القرون الطويلة، آلاف الحكايات الملهمة التي حُفرت في صدر الزمن، لتنسج خيوط الحضارة البشرية. يقول كلينت إيستوود: “ إذا كنت تؤمن بأن السماء ستمطر، فسوف تمطر".
مشاركة :