تجاهد الحكومة المصرية من أجل طمأنة المستثمرين، ومواجهة عودة ظاهرة “دولرة” الاقتصاد من خلال إصدار شهادات استثمار ذات عائد مرتفع لإغراء الأفراد على إبقاء مدخراتهم في الجهاز المصرفي، بعد عودة السوق السوداء وارتفاع الدولار مقابل الجنيه إثر خفض البنك المركزي لعائدي الإيداع والإقراض بنسبة 3 في المئة دفعة واحدة. القاهرة - اعتمدت القاهرة سياسة السهم المكسور لوقف اتساع ظاهرة “الدولرة” مجددا مع تسابق المواطنين وأصحاب الأعمال لتحويل مدخراتهم من الجنيه المصري إلى الدولار، في ظل حالة من عدم اليقين بسبب تفشي وباء فايروس كورونا المستجد. وتعني سياسة السهم المكسور حالة الاستنفار القصوى واستخدام جميع الأسلحة في مواجهة الأزمة، حيث أعلنت عن طرح شهادات استثمار بعائد مرتفع يصل إلى نحو 15 في المئة بعد يومين فقط من خفض الفائدة على الودائع والقروض بنسبة 3 في المئة دفعة واحدة. وأعلنت القاهرة عن خطة إنقاذ اقتصادية لتشجيع المستثمرين وتخفيف عبء التمويل على المشروعات ضمن حزمة من الإجراءات لمواجهة تداعيات تباطؤ الاقتصاد بسبب تفشي فايروس كورونا. وسجلت معدلات العائد على المدخرات نحو 9.25 في المئة، و10.25 في المئة على منح الائتمان. خالد الشافعي: غياب ثقافة الاستثمار لدى الأفراد أكبر مشاكل الاقتصاد المصري خالد الشافعي: غياب ثقافة الاستثمار لدى الأفراد أكبر مشاكل الاقتصاد المصري ويتاح بيع الشهادات الجديدة للأفراد فقط من خلال أكبر بنكين حكوميين، هما البنك الأهلي المصري وبنك مصر، لضمان عدم تسرب أموال هذه الفئات إلى السوق الموازية لشراء الدولار وتخزينه، مثلما كان الحال قبل تحرير سعر صرف العملة قبل 3 نوفمبر 2016. ويحاول البنك المركزي عبر هذا الإجراء الذي يكبد البنوك عبئا كبيرا ممثلا في دفع عائد مرتفع في ظل تباطؤ مؤشرات الاقتصاد، سدّ ثغرات ظهور شركات توظيف الأموال غير الشرعية. واختارت الحكومة البنوك التي تمتلكها لأنها لا تستطيع إلزام البنوك التجارية أو الأجنبية بتحمل هذا العبء، بهدف قطع الطريق أمام الأنشطة غير الشرعية التي كانت بابا خفيا للنصب على المواطنين، وظهور شرائح من الشطارين والعيارين يمنحون الأفراد عوائد على أموالهم تصل إلى نحو 25 في المئة، لعدد من الأشهر ثم يختفون عن الساحة. يتفجر هذا السيناريو في القاهرة بشكل مستمر، ويطلق عليه ظاهرة “المستريح” وهو الشخص الذي يذهب إليه الأفراد بإرادتهم أملا في الحصول على عوائد كبيرة على الأموال دون تعب، ورغم تحذيرات الظاهرة، إلا أن قاسم الطمع بين الطرفين لا يزال يمثل مسلسلا مستمرا. ولجأت القاهرة إلى تلك الحيلة أملا في تخفيف الضغط عن عملتها بعد أن تسبب قرار خفض الفائدة في صعود الدولار أمام الجنيه المصري في سوق الصرف. وشهدت الفترة الأخيرة قبل دخول القاهرة نطاق وباء كورونا صعودا قويا للعملة المصرية أمام الدولار الأميركي، حيث سجل أدنى مستوى لسعر الصرف عند 15.48 جنيه لكل دولار أميركي. وغيرت سياسات خفض الفائدة من الاتجاه الصاعد للجنيه أمام الدولار الأميركي، مدفوعة بمخاوف من تباطؤ النشاط الاقتصادي محليا، تأثرا بما يشهده العالم من حالة طوارئ بسبب تفشي فايروس كورونا، فضلا عن عدم جدوى العائد على الودائع. وقفز الدولار في سوق الصرف الرسمية المعلنة من جانب البنوك لمستويات 15.73 جنيه للدولار، واستقر فوق مستوى 15.7 في نحو 26 بنكا. وقال وسطاء في أسواق الصرف لـ”العرب”، إن هناك هوامش سعرية ظهرت خلال الأيام الماضية تنذر بعودة السوق الموازية نتيجة احتفاظ المؤسسات المالية بما لديها من عملات أجنبية، وعدّ التنازل عنها للبنوك خوفا من صعوبة تدبيرها مرة أخرى لمواجهة احتياجاتها الاستيرادية بعد هدوء الأوضاع الفترة المقبلة عندما تتم السيطرة على تفشى فايروس كورونا. وأكد مستثمرون لـ”العرب”، أن الاحتفاظ بالدولار حاليا يعد أمرا طبيعيا نتيجة تراجع موارد البلاد من المصادر السيادية المدرة للدولار، وتحديدا قطاعات السياحة وتحويلات العاملين المصريين في الخارج وعوائد قناة السويس. وأوضح وزير الساحة أن خسائر الاقتصاد المصري تصل إلى نحو مليار دولار شهريا بسبب تفشي كورونا، فيما سجلت عوائد القطاع العام الماضي نحو 12.6 مليار دولار. وسجلت مشتريات الأفراد من شهادات العائد المرتفع التي يصل أجلها إلى نحو عام خلال ثلاثة أيام نحو مليار دولار، ولولا ظهور هذا الوعاء الادخاري المغري لتسربت هذه الأموال إلى السوق الموازية، إما لشراء الدولار والمضاربة عليه وإما لتوظيف الأموال من خلال ظاهرة “المستريح” المتفشية. وتصل نسبة ودائع القطاع العائلي في مصر لإجمالي الودائع نحو 81.8 في المئة، وتعادل 161 مليار دولار. حسن حسين: البنك المركزي يسعى لتحفيز الاستثمار وتشجيع الاقتراض حسن حسين: البنك المركزي يسعى لتحفيز الاستثمار وتشجيع الاقتراض وأشار حسن حسين، رئيس لجنة البنوك والبورصات في جمعية رجال الأعمال المصريين، إلى أن البنك المركزي يستهدف من خلال سياسته النقدية تحفيز المستثمرين على ضخ استثمارات جديدة من خلال خفض تكلفة الائتمان. ووصف في تصريحات لـ”العرب”، نسبة التخفيض بالجريئة، حيث تعد الأكبر دفعة واحدة في تاريخ البنك المركزي. ويحمل هذا الاتجاه أثرا إيجابيا في خفض تكلفة الدين المحلي للدولة، والبالغ نحو 216 مليار دولار، إلا أن الخوف من عودة ارتفاع معدلات التضخم أيضا دفعت المركزي للسيطرة على الوضع من خلال إصدار شهادات العائد المرتفع لضمان بقاء الأموال في البنوك. وأكد خالد الشافعي، خبير الاستثمار والتمويل، أن غياب ثقافة الاستثمار لدى الأفراد من أهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري. وطالب في تصريح لـ”العرب”، بضرورة التوعية المستمرة بأهمية الأوعية البديلة، ومنها الاستثمار في شراء الذهب والأصول العقارية، بدلا من المفاضلة حاليا بين الفوائد المرتفعة. ويدعو النظام المصرفي المصري للكسل، لأنه لا يستطيع تبني سياسات على طول الخط لتشجيع المستثمرين على الاقتراض، بسبب المتغيرات الطارئة داخليا وخارجيا التي باتت لا سقف معروفا لها. وتكتفي شرائح كبيرة من الأفراد بإيداع أموالها في البنوك مقابل الحصول على عائد تعيش عليه، مع استمرار المشكلات الاقتصادية المزمنة، وتنتهج هذه السياسات البنوك ذاتها، وتعيد إقراض أموالها للحكومة في شكل سندات خزانة بشكل يومي أو أسبوعي وتجني أرباحا كبيرة منها. وأفضى هذا الاتجاه إلى تفضيل الجهاز المصرفي إقراض الحكومة عن الشركات والمستثمرين، فالقروض للأولى مضمونة السداد والمخاطر، مقارنة بائتمان المشروعات الخاصة التي قد تواجه شبح التعثر. وتعتمد البنوك في هذا على الدين الحكومي الداخلي الآخذ في التصاعد، وكذلك العجز المزمن والمستمر في الموازنة العامة للدولة.
مشاركة :