تنشط بعض الأسواق الكبرى في المملكة مع قرب دخول شهر رمضان المبارك، بعرض تخفيضات هائلة على منتجاتها الرمضانية، عبر إغراق معارضها باللوحات الإعلانية، والتي تحمل شعار "الكمية محدودة"، تهدف من خلالها إلى جذب الزبائن في الشراء منها. ويتزايد الإقبال على الشراء، كلما اقترب الشهر الفضيل بعدة أيام، نتيجة الإعلانات المغرية التي تجذب أعين المستهلكين، والتي تصاحبها عبارة "آخر حبة"، و"الكمية محدودة"، في خطوة وصفها مستهلكون بتصريف الأسواق للبضائع التي قاربت على الانتهاء، مطالبين في الوقت ذاته بتشديد الرقابة خصوصا في أوقات الذروة الموسمية، والتي تتزامن مع تكدس البضائع وكثرة المشترين. حقوق المستهلك أكد المواطن عبدالله النبهان، أن العروض التي تقدمها الأسواق عامل جذب للمستهلكين خصوصا في طريقة عرضها على أبواب المحلات وعند الإشارات المرورية، مبيناً أنه في حال ذهب المواطن إلى تلك العروض يفاجئ بخلاف ما تم عرضه خصوصا في تقديم سلع أخرى غير التي تم عرضها في الإعلان. تكاتف الجميع أول خطوات الحل.. وتفعيل الرقابة ضرورة ملحة وأوضح النبهان، أن المستهلك يتحمل جزاً كبيراً من تعرضه للاستغلال من قبل العروض التي وصف بعضها بالوهمية، جراء عدم تمييزه بين ما هو مقدم في العرض، وما هو مدون في قائمة الأسعار، مشدداً على ضرورة نشر ثقافة الوعي لدى المستهلك عبر التعاون مع الجهات الرقابية في الإبلاغ عن كل ما هو مخالف من عروض ومنتجات، لافتا إلى أن وزارة التجارة قامت بوضع حد للعروض الوهمية، من خلال عدم سماحها لأي من المحلات بتقديم العروض إلا بعد الحصول على تصريح والتأكد من صحة الأسعار، وفي حين اكتشاف محل تجاري مخالف يتم تطبيق العقوبة حسب اللائحة. ظاهرة متنامية وقال الكاتب والباحث فهد الأحمري، إنه عند بداية كل موسم تبدأ الإعلانات المغرية والحملات المجلجلة التي تبهر عين المستهلك وتبرز له في كل ناصية، وأمام كل إشارة مرورية، وعلى كل شاشة فضائية حتى تصدع برأسه فيقبل بناصيته منصاعاً من تلقاء نفسه أو نتيجة لضغوط الأسرة، حتى يبدد ميزانيته الشهرية بليلة واحدة، مضيفاً أن السبب الرئيس في استمرار وتنامي هذه الظاهرة سنة بعد أخرى هي ناحية سلوكية وإجرائية، مبيناً أنه بخصوص الناحية السلوكية فالوضع بات مزرياً، مستدلاً بالتسابق على الأسواق قبيل المناسبات الموسمية ومنها رمضان بأيام يسيرة، بحيث يعمد المستهلكون إلى عربات التسوق بملئها بكل ما يعترض طريقهم أو من على الرفوف معتقدين أنهم ينتهزون فرصة التخفيضات في هذا السوق أو ذاك. الإعلانات البراقة تنجح في جذب «الجيوب» جهل في الحقوق وأضاف الأحمري أنه من الناحية الإجرائية، فإن المستهلكين لا يعرفون حقوقهم في هذا الجانب ومن يعرف حقوقه كمستهلك قد يتغافل عنها أحياناً أو يتجاوزها مجاملةً أو لضيق وقته؛ وربما كذلك وهو الشائع، مبيناً أن ذلك يعود للنظرة السلبية الدارجة في عبارة "ما حولك أحد"، موضحاً أن المستهلك هو من يغلق الحقوق أمام نفسه، وقد يكون السبب الحقيقي هو التكاسل منا ليس إلا، لافتا إلى أن الوضع الآن مختلف حيث تقوم وزارة التجارة مشكورة بأعمال إجرائية قوية ضد أصحاب المحلات المخالفة، وشاهدنا أن تلك العقوبات طالت أسماء تجارية كبيرة فضلاً عمن دونها. عادات خاطئة بدورها قالت الاستشارية الاجتماعية، وعضوة جمعية حماية المستهلك فوزية الوقيف، إن انعدام الثقافة الاستهلاكية والإسراف الغذائي والتسويقي للمجتمع السعودي، وأفراده صغارا وكبارا ناتجة عن أسباب وسلوكيات عديدة، تتمثل في تحوير العادات العربية الأصلية كالكرم والأصالة، الخاصة بطبيعة البيئة المجتمعية السعودية إلى عادة الإسراف بالاستهلاك الغذائي والتسويقي، واعتباره مظهرا من مظاهر الارتقاء والتطور، متناسين الأمر الإسلامي والديني في الغذاء والتغذية (والله لا يجب المسرفين) فطغت العادة على الدين والأخلاق، إضافة إلى وجود الترف الاجتماعي للسعودية، والتي كانت سبباً في شراء الزائد واقتناء القليل منه دون استشعار أهمية هذه النعم أو التقدير لها وتجاهل المعنى العظيم من (بالحمد تدوم النعم). شراء عشوائي وبيّنت الوقيف أن العادات الشرائية خاطئة، فاستهلاك الفرد يعتمد على أساس عشوائي مرتجل ولحظي وليس مخططا، خاصة وأن العين تنجذب للألوان واللوحات الإعلانية الباهرة مما ينبه العصب البصري لتترجم تلك السيالات العصبية باستجابة سريعة من خلال الشراء دون تردد أو تفكير، نتيجة لعدم تفعيل العقلانية ومهارات التحليل من نصف الدماغ الأيسر، موضحة أن العين تتعلم أو تتأثر للصورة أو المشهد المعروض بنسبة 75% وهذا هو المنطلق الذي تعتمد عليه أغلب مهارات التسويق والدعاية والإعلان، لافتة إلى أن هناك أسباب كثيرة جعلت من أفراد الأسرة السعودية الواحدة تنشئ أجيالاً لا تفقه من ثقافة الاستهلاك إلا الاستهلاك، وهل من مزيد؛ مضيفة أن رب الأسرة أو من يقوم مقامه قد يتحمل عبء الاستدانة لشراء أكثر مما يجب وأكثر مما ينبغي من منطلق "الرفاهية للأبناء وعدم الانتقاص عن الأخرين". واجبات الأسرة وأوضحت الوقيف أنه يجب على الأسرة تنشئة ثقافة الاستهلاك والتمييز بين ما "أريده وأحتاجه"، وأن الدلال الزائد في العطاء والبذل يفقد الفرد الاهتمام والتقدير لأهله ومجتمعه ووطنه وإبراز الأنانية للذات، بالإضافة إلى تحديد ميزانية أسرية بين أفراد الأسرة دون تفريط وإفراط لاستثمار الإعلانات التجارية المناسبة، خلال المواسم وطوال السنة وليس الاقتصار على موسم رمضان أو غيره، إلى جانب الاستثمار من نقاط المكافات التي تقدمها بعض المحلات التجارية وتعويد الأبناء عليها للاستفادة منها في المتاجر أو غيرها، وعدم الشراء أكثر من الحاجة وشراء كميات الغذاء اللازمة فقط، لتجنب التلف لما يزيد عن الحاجة، كما ينبغي الشراء من المحلات النظيفة التي تتبع التعليمات الصحية في العرض والتغليف وليس بالإعلان والتسويق، مشيرة إلى أنه يجب التركيز على أن شهر رمضان موسم للطاعة وتدريب النفس على الاستهلاك وهذا ما يأمرنا به الدين الحنيف، فهو موسم تدريب وليس موسم ترف وإسراف. أدوار الجهات الرقابية وطالبت الوقيف بتكثيف البرامج التوعوية من خلال جمعية حماية المستهلكين ونشر الثقافة الاستهلاكية بالتعاون بين المدارس والوزارة والجمعية، بدءاً بالنشىء والصغار قبل الكبار والتوعية، عبر الأركان والمعارض التوعوية بالمراكز والمحلات التجارية، وإيقاف الإعلانات التجارية ومعاقبة منفذيها بوضع قواعد صارمة على المنتج المعلن كسحبه من السوق أو وضع غرامة مالية لمن يساهم في ذلك.
مشاركة :