تحقيق : محمد ياسين رغم أن الأزمة الحالية لانتشار جائحة فيروس كورونا اجتاحت العالم، وخلفت إصابات بأعداد كبيرة، وانهارت معها نظم صحية عالمية، ولم تصمد في تحديات المواجهة دول كبيرة، ومتقدمة، وفرض «كورونا» أموراً كثيرة على المجتمعات والدول كافة، غير أن لهذا الوباء تأثيرات إيجابية في المستوى الدولي، حيث يسعى العالم للتوحد والتضامن في مواجهته، والكشف عن علاج ناجع للقضاء عليه، على المستويات الإقليمية، والمحلية، حيث تساعد الدول بعضها بعضاً في الدعم الصحي للتصدي للتداعيات الناتجة عن هذه الجائحة، ومن الإيجابيات التي فرضها البقاء في المنازل للوقاية من الفيروس، التضامن الأسري، وزيادة التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، لأول مرة منذ زمن بعيد، وتكثيف استخدام وسائل التواصل التكنولوجية في تلاحم أفراد المجتمع.وتعامل القيادة الرشيدة مع الجائحة الفيروسية التي اجتاحت العالم، تعامل مشهود له بالحكمة، والاستباقية، الأمر الذي انعكس على تعامل أفراد المجتمع في دولة الإمارات، حيث كانت الإيجابية هي المحرك الرئيسي في تكاتف أفراد الأسرة والمجتمع، مع قرارات الحكومة، ما أفرز العديد من الممارسات الإيجابية، منها تغيير السلوك، وإتاحة الفرصة لتطوير الذات، والتعرف بشكل أكبر إلى هوايات ومهارات الأبناء، وتغيير بعض العادات السلبية التي كانت جزءاً من الحياة اليومية، ووضعت الحكومة برامج التعليم والعمل عن بعد، ونشرت عبر المنصات الإلكترونية محاضرات تعليمية، فضلاً عن إنجاز المعاملات كافة، عبر التطبيقات الذكية، والمواقع الإلكترونية، وفي ما يلي نناقش مع مسؤولين وأفراد المجتمع الآثار الإيجابية لأزمة «كورونا» في حياة الأسر، والتعرف إلى ممارستهم اليومية في التعامل مع الأبناء واستغلال الوقت في الاستفادة القصوى لتطوير المهارات. أجواء استثنائية قالت حصة تهلك، الوكيل المساعد لشؤون التنمية الاجتماعية في وزارة تنمية المجتمع، إن الوزارة تضطلع بدور تنموي محوري، ومستدام، يعزز استقرار وتماسك الأسرة، والمجتمع، استناداً إلى مؤشر الأجندة الوطنية للتماسك الأسري والتلاحم المجتمعي، وهذا الدور يتأكد، ويزداد أهمية في ظل الظروف الراهنة، حيث جهود الدولة الوقائية والتدابير الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، لا سيما في ظل الحجر المنزلي، والتباعد الاجتماعي الوقائي، الذي تعيشه الأسرة، والمجتمع هذه الأيام، وهو واقع يعد «فرصة» إذا نظرنا إلى «نصف الكأس المملوء»، فالأسرة اليوم تجتمع باكتمال نصاب أفرادها في بيت واحد، يتشاركون معاً ساعاتهم، وأيامهم، ويتقاسمون الحياة الاجتماعية في أجواء استثنائية لا بد أن نغتنمها لتدوم في ذاكرة الانسجام الأسري، والترابط والتماسك بشكل عام.وأضافت أن وجود جميع أفراد الأسرة تحت سقف واحد ولأوقات طويلة نسبياً، أمر لم يكن مُعتاداً في السابق، ما يخلق مزيداً من «التحديات» التي ستتحول حتماً إلى إنجازات، ومواقف جميلة تسعد أفراد الأسرة إذا ما أحسنا استثمارها، فربّ الأسرة، والزوجة، والأبناء، أصبحوا وجهاً لوجه أمام مسؤوليات اجتماعية تقليدية لطالما كانت تميز النسيج المجتمعي المترابط في دولة الإمارات، من خلال المشاركة والتعاون وتعزيز القيم، و«السنع»، وتبادل الأدوار في أداء المهام الأسرية، مشيرة إلى أن نجاح وتميز الأسرة في إدارة هذه الظروف، والأجواء، يقاس بمقدار الحب، والإيجابية التي تزرع في نفوس أفرادها رغم صعوبة الظرف العام في هذه المرحلة التي يعيشها العالم. توافق وانسجام وأشارت حصة تهلك إلى أن المطلوب من الأسرة اليوم، أن تمارس بجميع أفرادها، أدواراً إيجابية مثمرة، تنعكس على هيئة تآلف، وتوافق، وانسجام، بين الزوجين خصوصاً، والآباء والأمهات والأبناء، عموماً، وحتماً فإن سعادة الأسرة تزداد، وتتأكد أكثر متى كان الترابط والتماسك والتفاهم قائمة، لذلك فإن وزارة تنمية المجتمع أعلنت عن مبادرات أسرية نوعية تعزز الانسجام بين أفراد الأسرة في هذه الظروف الاستثنائية، وتدعم جهود الوزارة ومبادراتها المستدامة لتحقيق الألفة، والمحبة، والتوافق الأسري، على نطاق واسع، وهذه المبادرات تنطلق من حقيقة أن الحجر المنزلي، ومفهوم التباعد الاجتماعي فرصة «للتواصل الاجتماعي»، وإن كان عن بعد. لذا يتعين على الجميع توحيد الجهود، وتوجيه البوصلة في هذه الأيام، نحو البيت، والأسرة، سعياً لمنح جميع أفراد المجتمع الثقة، والإيجابية، والسعادة الدائمة. جوانب إيجابية من جهته، أكد الدكتور محمد مراد عبدالله، مستشار نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، الأمين العام لجمعية توعية ورعاية الأحداث، أن تجربة «خليك في البيت» لها جوانب إيجابية كثيرة، وهي فرصة لاجتماع الأسرة في المنزل لفترة طويلة، والتواصل مع الأبناء عن قرب، وتعريفهم بأسباب تواجدهم في المنزل، وعدم الخروج في هذه الفترة بطريقة لا تثير مخاوفهم، ولا تزيد من التوتر، والقلق لديهم.ولفت إلى أهمية التخطيط لاستثمار الوقت بشكل جيد، وتوزيع الأدوار والمهام للأولاد، وإكسابهم بعض المهارات التي تتناسب مع أعمارهم من خلال أنشطة منزلية مشتركة مع الوالدين، حسب رغباتهم، وهواياتهم. وتخصيص أوقات لممارسة الأنشطة الرياضية. ومساعدتهم في التعلم عن بعد من خلال «شبكة التعليم عن بعد» التي طرحتها وزارة التربية والتعليم. تحفيز ومشاركة وقال الدكتور محمد مراد إنه لابد من تخصيص أوقات للتسلية مع الأبناء من خلال تنظيم بعض المسابقات، وتحفيزهم على المشاركة والعمل على تنويع البرامج اليومية لعدم الشعور بالملل، وهي كذلك تعتبر فرصة للتعرف إلى احتياجات الأبناء ورغباتهم، وميولهم، والفروق الفردية بينهم، ومراعاتها وتوجيه الأبناء للجوانب الإيجابية التي تساعدهم في تخطي المشكلات الحياتية التي قد تواجههم في المستقبل، وغرس القيم الدينية والاجتماعية من خلال صلاة الأسرة جماعة في المنزل، وتناول الوجبات الغذائية بشكل جماعي، وتعليمهم أداب الطعام، والإتيكيت والاعتماد على النفس في تنظيف وغسل مستلزماتهم اليومية، وتوعيتهم بالأمور الصحية التي يجب اتباعها لوقايتهم من انتقال الأمراض المعدية إليهم، خاصة النظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي في فترة الأوبئة. الترويج السلبي فيما أشارت موزة الشومي، نائب رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، أن أزمة كورونا، وما خلفته من التباعد الجسدي، والحجر المنزلي، زادت من التلاحم الأسري، والتقارب بين الآباء، والأبناء، ولكن بعض الممارسات الإعلامية، سواء في الوسائل الحديثة، أو التقليدية، تصور البقاء في المنزل والتلاحم الأسري سجناً، وتزيد فيه نسبة الطلاق والمشكلات الأسرية، والاكتئاب، وغيرها من الأمراض النفسية.وأضافت أن الترويج الإعلامي السلبي يؤثر بشكل كبير في العلاقات الأسرية، ويجب على مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام التقليدي، الذين كان لهم دور كبير وفعال في التوعية بمخاطر «كورونا» أن يتناولوا الحجر المنزلي، والتلاحم الأسري، بإيجابية، مؤكدة أن التقارب الأسري بسبب أزمة انتشار فيروس كورونا عزز من العلاقات بين الأزواج، والأبناء، وزاد من تقوية الروابط الأسرية. سلوك الأبناء عمار رضوان رئيس قسم الائتمان في أحد البنوك، قال رغم أن انتشار وباء كورنا له الكثير من السلبيات في المستوى الاجتماعي في ما يخص الزيارات العائلية، والاجتماع مع الأصدقاء في الأماكن العامة، إلا أنها فرصة حقيقية للتعرف إلى سلوك الأبناء عن قرب، وتدريبهم على بعض الأعمال، ومشاركتهم القيام بواجبتهم، مشيراً إلى أنه لأول مرة منذ التحاق أبنه إلى الصفوف الدراسية يرى ما في حقيبة ابنه، ويتعرف إلى المواد التي يدرسها.وأشار إلى أن هناك العديد من الممارسات غير الصحيحة التي كنا نمارسها في السابق، ولكن بعد تفشي وباء كورونا تمت مراجعتها، ومنها الاعتماد بشكل كبير على الوجبات المنزلية، والابتعاد عن طلب الوجبات السريعة، وتناول الطعام في المطاعم. استغلال الوقت أما عماد السكري مستشار قانوني، فأكد أهمية استغلال وقت الأزمة الحالية في توطيد العلاقة مع الأبناء، وممارسة أنشطة منزلية متنوعة، والتعرف إلى هواياتهم، وتنمية مهارتهم، لافتاً إلى أنه كان يقضي جلّ وقته بين العمل، ومقابلة أصدقائه، والاجتماع معهم بشكل يومي بعد العمل.وبين أنه رغم الظروف الحالية من تقييد الحركة، إلا أن تلك المرحلة سيتبعها الكثير من المتغيرات الحياتية المستقبلية في ما يخص مشاركة الأبناء ألعابهم، ونشاطاتهم اليومية، وتناول الوجبات في أوقات منتظمة، والابتعاد عن هدر الوقت خارج البيت مع أصدقاء، ومن دون الانتباه للأبناء. تنمية المهارات ذكر محمد عثمان، محاسب، عدة مزايا من مبادرة التباعد الاجتماعي والعمل عن بعد، وتقييد الحركة بعد الثامنة مساء، ومنها بعض الهدوء والتفكير في أمور مستقبلية، وتنمية المهارات الشخصية من خلال حضور بعض الدورات والمحاضرات والتدريب على برامج جديدة في مجال العمل.وأكد أنها فرصة حقيقة قد لا تحدث مجدداً لإعادة التفكير في الحياة والاقتراب بشكل أقرب من الأسرة الصغيرة، وتوفير وقت للتواصل مع الأهل والأصدقاء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وأداء الصلوات في أوقاتها، وقراءة القرآن. إعادة حسابات فيما قالت الدكتورة ندى جابر، إن الأزمة الحالية هي وقفة مع الذات لإعادة الكثير من الحسابات الخاصة بتربية الأطفال، وتطوير الذات من خلال التدريب على آخر التقنيات الطبية، وأحدث التقنيات الطبية.وأشارت إلى أن قضاء وقت مع الأسرة وتحضير الوجبات اليومية أصبح برنامجاً يومياً، إضافة متابعة البرامج التعليمية التي اعتمدتها المدارس، ومتابعة الأخبار المتواترة والكثيرة عن أحوال العالم، وآخر أخبار جائحة كورونا، وسبل مواجهتها.
مشاركة :