قيل في الأثر «ربّ ضارةٍ نافعة» وقال أجدادنا: «سر بعيد وتعال سالم» وكذلك قالوا: «اللي ما عنده يِمل - أي جمل- يْكاري له يِمل، واللي ما عنده حيله يلعب التّيلة» والتّيلة هي لعبة الدوّامة المعروفة في الخليج والعالم العربي يلعبها الصبيان والبنات والكبار كذلك، وفيها يقول الشاعر: «لا عبِبّي لعبة التيلة»، في إسقاطٍ منّي على كورونا وما تفعله في البشرية، بعيداً عن قصد الشاعر. يرى الكثير من المحللين والباحثين والعلماء والأطباء أن أزمة «كوفيد 19» قد أحدثت صدعاً نفسياً كبيراً في العالم وهو يقف عاجزاً عن مواجهة هذا الفيروس الغامض الذي لا يرحم ضحاياه، ويحصد الأرواح من دون هوادة، ولذا جاءت الدعوات إلى ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي؛ كوسيلة ناجعة لمجابهة الفيروس، وقد اتخذت العديد من الدول التي تأثرت بهذا الوباء إجراءات احترازية على أعلى المستويات، كان من أهمها وأبرزها حظر السفر، وإغلاق المساجد، والأسواق والمجمعات التجارية الكبرى، والتي كانت كلها؛ أي تلك الأماكن، مقرات للتجمعات البشرية واللقاءات، بخاصة المقاهي التي تجمع البشر من كل صنف ولون، وحدبٍ وصوب على فنجان قهوة. في الجانب الآخر، فإن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول أسهمت وبشكل كبير في إعادة الأسرة إلى الصدارة، واللحمة الأسرية إلى التوهج من جديد، حيث وجد الأبناء أمهاتهم حولهم، وآباءهم قريبين منهم، فالتحم شمل الأسرة، وأصبحوا على مقربة جداً من بعضهم، وعادت العادات المفتقدة إلى الواجهة؛ فالمائدة تجمعهم، والأوقات تؤنسهم، وفنجان شايٍ يقرّبهم بعد التباعد القسري بفعل العمل ومتطلبات الحياة وانشغالاتها. وفي ظل هذه المتغيرات الاجتماعية، على الأسر أن تتنبه إلى المشكلات التي قد تطرأ داخل العائلة بسبب العزلة، وعدم القدرة على الخروج إلاّ في أضيق الحدود، الأمر الذي قد يؤدي إلى تذمر الأبناء، وغضب بعضهم، وتعب الوالدين، حيث كانت المدارس تحمل عنهم عبء الوقت الأكبر لأيام كانوا فيها منشغلين، كلّ في حياته الخاصة واهتمامه، لذا فإن على رب الأسرة مسؤولية كبرى في ملء الفراغ، وسد الثغرات بتوفير بدائل واقعية تستطيع إقناع الأبناء واحتواء تذمرهم، والقضاء على مللهم، وتمكينهم من أن يقوموا بأدوار حقيقية تسهم في إدارة أزماتهم باقتناع وحب، وعناية وتعاون، واهتمام. لقد جاءت المطالبة بالتباعد الاجتماعي، بخاصة بعد نجاح الصين في تجربتها، من أجل حماية الناس، وصرفهم عن مواقع التجمعات، حرصاً على سلامتهم وليس لتعطيل الحكومات والأعمال، والحياة بصفة عامة، كما يظن بعض الأفراد، وهي الفرصة السانحة لأن يؤدي كلّ منّا دوره، فيتبع التعليمات ويستثمر وقته في منزله بالاقتراب من أسرته، وليتخذ من «ربّ ضارة نافعةٍ» استراتيجية ناجحة لإدارة حياته الأسرية بشكل متقن، بعيداً عن المخاطر والصّدامات.
مشاركة :