في المجموعة القصصية «تمر وجمر» للقاص البحريني حسن بوحسن لفتني وأنا أقرأ المجموعة: امتلاك الكاتب أسلوبا مشوقا في السرد القصصي يتغلغل في شخوص قصصه، قادرا على محاكاة حركة أبطال قصصه وتجلياتهم ووصف نفسياتهم ومدلولاتها بحيث يمكنهم من إبراز أعماقهم وعكس أغوار ذواتهم.تميل القصص إلى أن تنحوا نحو الواقعية وأحيانا المباشرة لنقل واقع شخوصه، متمثلا بأسلوبه السردي، يغوص في المجتمع ومركباته ويظهر شخوصهم ويعكس إطار تفكيرهم (نرى ذلك بوضوح في قصة سلامة وسعود الطيب، حيث حكاية سلامة والحاج مسعود الملقب بالطيب، وكيف يحاول إثبات براءة الحاج مسعود وينفي الشائعات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن المظاهر السيئة الناتجة عن الدونية في بعض أفراد المجتمع والتردد في الاعتراف وعدم الجرأة لتصدى لها، وذلك من خلال ردات الفعل من أم سلامه، لعل الكاتب يشير إلى أن إضعاف المجتمع يأتي من ضرر الإشاعة في مجتمع محدود الوعي وسريع الحكم.ومثل ما سلط الضوء على سلامة فإن القصة الأخيرة لأبوعامر أحد ظواهر المجتمع ومكوناته فليس أبو عامر وحده الذي ينتج بضاعته (الخيمة) وحيدا بأعمدة ليست بمواصفات القوة والجودة فهناك الكثير في مختلف المجالات لذلك رمز القاص بذلك في قصة أبو عامر والخيمة.يبحر القاص بنا ليرسينا إلى الفرضة وعامل القهوة وعدم قدرته المالية للسفر في قصة مشوقة تذكرنا المراحل الزمنية الماضية حيث يتطلع كثير من أفراد المجتمع للسفر والتطلع ولكن يعوزهم ذلك بسبب الفقر والحاجة، أما بعض أفراد المجتمع فتقلهم السفن إلى أرجاء المعمورة في مظهر يبرز طبقية المجتمع، لكن الكاتب يسهب في الوصف الجميل للعامل، رب العمل، الباخرة، البحر وهي عناصر متفاعلة ومتداخلة في القصة. إبراز المحلية في القصة ولعل المدخل والولوج في الأفق الواسع والفضاء الأوسع يكمن في هذا المدخل وننوه بأن اغلب الكتاب العالميين انطلقوا من هذا المنطلق ويضيفون إلى قصصهم في الرؤيا الذاتية والتحفيز الذهني رغم أن الكاتب يميل إلى الواقعية والمباشرة ويذكرني بأسلوب عبدالله خليفة في رواية الينابيع، ولكنه يختلف عنه إنه يعكسها في القصة القصيرة في قصاصات جديرة بالقراءة، ولكن لكونها قصيرة في الرؤيا والعمق محدود لكونها مرتبطة أكثر بشخوص أبطالها كنموذج قصة حسون ووحدته وانعزاله وتأمله وتذمره من ذكر اسمه فضلاً عن عدم ممارسة دورة في التعليم الجامعي والاختلاط في المجتمع والتأثير والتأثر منه.كنت أتمنى من الكاتب أن يثري قصصه بإحدى القصص المحورية عن الوعي القومي وقضاياه وربط المحلية بالأفق القومي أو العالمي فالعالم متشابك ومتداخل ولعل بعض الحوادث في حركة المجتمع عربيا وعالميا تثير فينا قصصا وخيالات وعالما جميلا نحلم به فقط نحلم به ونشعل شمعة مضيئة.يلاحظ أن الكاتب مما يكشف عنه سيرته الذاتية في نهاية المجموعة هو مسرحي وكتب عددا من النصوص المسرحية، كان من الممكن أن يزاوج بين السرد وتكثيف الحوار في أغلب قصصه مما يعطي قصصه قوة ومتانة.أدخل القاص مفردات متداولة شعبية (تفضل إكدع) في قصة كاظم ومليون نملة بما يحفظ للأجيال القادمة هذه المفردات الجميلة وكذلك في قصة أم الزرانيق (حياكم حياكم جيبو الفلوس وياكم).لا تفترق قصة الجودي وسام خوير في إطارها ومضمونها، في النهج والأسلوب عن القصص الأخرى، في الوصف السلس عن حياة بطله الجودي وشباب، وبيان علاقته بالمجتمع، كل قصة تسلط الضوء عن شخص مختلف في سيمائه وحركته عن الآخرين، ومصدر رزقه وذاته مستخدما أدوات السرد القصصي، وأسلوبه التسجيلي البعيد عن الغموض كحال قصصه الأخرى. شكرا للقاص على إتاحته لي قراءة المجموعة التي عكس فيها واقع المجتمع من خلال شخوص قصصه كنقل حي مباشر، متمنيًا له التوفيق والارتقاء لكتابة الرواية وتمديد ساحة الرؤيا وإضافة الرؤية والخيال الذاتي والرمزية كعناصر متداخلة فنية.
مشاركة :