انطباعات حول قصص «تمر وجمر» لحسن بوحسن (3-3)

  • 6/13/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عرضنا في الحلقة الماضية للغة السرد القصصي، وعناوين القصص وعنوان المجموعة «تمر وجمر»، للصديق الأديب حسن بوحسن، وفي هذه الحلقة، نتمم قراءتنا، إذ نصل إلى خامسًا: أحلام وطموحات الشباب والمراهقين الصغار: نجد هذا في أكثر من قصة ومنها قصة «سرداحة ميسي ورونالدو»، حيث يتنافس الصغار على إبراز مواهبهم ويطمحون إلى الوصول إلى مستوى اللاعبين ميسي ورونالدو.«والجزء الثاني من المجموعة مغرمون بلاعب كرة القدم البرتغالي (كريستيانو رونالدو)، قلوبهم تهاجر معه أينما حلّ في منافسات الدوري والكأس وأينما رحل في منافسات الأبطال من فرط تأثّرهم به وميلهم إلى أسلوب لعبه وأدائه الخارق للعادة، مهوسون بدوره الفاعل وعطائه المؤثّر مع فريقهم المُفضّل (ريال مدريد)، يُسعدهم كثيرًا كلّما تألّق وأحرز الأهداف الجميلة وأكّد على نجوميته بين الكبار أو عندما يُرجّح كفّة فريقه في المباريات الصعبة وفي الأوقات الحرجة خصوصًا في الـ(كامب نو) وفي الـ(برنابيو)، تابعوا جلوسهم واستنادهم إلى الحائط المتصدّع المغطّى بالرسوم والخربشات وعبارات التحدّي، مكتفين بالتحديق من بعيد إلى مرتع فتوّتهم، الذي اعتادوا على التّباري فيه عصر كلّ يوم وكأنهم يعدّون خطة أدائهم للجولة الجديدة من المنافسات والتّسابق على هزّ الشّباك البالية، التي جلبوها قبل أشهر قليلة من مرسى الصيّادين في غفلة منهم ولا تزال رائحة السمك عالقة في خيوطها».كما نلحظ ذلك في قصة «سلمان وباخرة جبل سورا» حيث إن هذا الشاب الفقير الذي يعمل صباباً للقهوة والشاي يحلم بمستوى أفضل ويتمنى ركوب الباخرة «جبل سورا» والسفر عبرها إلى بلدان العالم. «ترك غرفته على عجل واقترب من الباخرة بهدوء واستحياء، لامسها بأطراف أصابعه فاضطرب قلبه المتشوّق للسفر، تجرّأ أكثر ورسم صورة لحقيبة وسكّة سفر ووضع خدّه الأيمن على جدارها الدافئ، شعر بارتياح نفسيّ ينتابه لأوّل مرة وهو يستند إلى الباخرة ولا أحد يلومه أو يمنعه من هذا التصرف».كذلك نجد طموح الشباب في قصة «المحسّن وصفصاف أوجي» التي يحلم فيها الأديب الشاب أن يصل إلى مستوى الأدباء الكبار. «عدّل من وضعه فوق المقعد المهتّز وهو يبدأ معركته الأولى في لقاءاته الأدبيّة، ابتسم بحياء وهو يداعب ارتدادات مخيلته ويزداد انشراحاً كلما وزّع نظراته على الحضور يمينا وشمالا وفي المقدّمة ونحو الصفوف الخلفيّة أو تفرّج على عريف الحفل وهو يرسل كلماته الترحيبيّة الرقيقة ويداعب الضيوف بتحاياه الجميلة، التي يخصّ بها الجميع ويصفهم بالحضور الكريم، اقشعرّ بدنه وتمايل أكثر عندما اصطاد واحدة من النّظرات المصوّبة نحوه بدقة من إحدى السيّدات الفاتنات وهي تحدّق فيه من بعيد، لم تطل نظرتها كثيرًا وسرعان ما تركته وحوّلت عينيها إلى الجهة المعاكسة وراحت تهمس في أذن صاحبتها التي اشتركت معها في الابتسام الرقيق».سادسًا: تصوير البسطاء من أبناء القرية: شخصيات قصص «تمر وجمر» بسيطة ومعظمها فقيرة كما جاء في قصة «سلمان وباخرة جبل سورا» وقصة «أبو عماد والخيمة» وقصة «الجودي وسام خوير»، ومثال على ذلك ما ورد في قصة الجودي صفحة 81: «يركن الجوديّ سيّارته الـ (وانيت) الخاصّة بنقل الماشية والأحمال الثقيلة تحت ظلّ شجرة السّدر العملاقة الملاصقة لسور المقبرة والقريبة جدًّا من محيط المسجد، الذي اعتاد الصلاة فيه كلّ عشيّة، تزلّفًا إلى أهالي الحيّ ولكسب ودّ صغارهم وشبابهم والظّفر بالدخول إلى أعماق قلوب كبار السنّ الحريصين على أداء جميع الفرائض في أوقاتها. عدّل من وضع ثوبه الأبيض الفضفاض، سوّى غترته المغموسة بصبغ القماش الأزرق، يكاد أن يطير بجسمه الفارع إلى السماء السابعة، مزهوًّا بنفسه وهو يذرع الطريق الرمليّ المؤدّي إلى ديوانية جار الله بخطوات متّزنة مثل مسؤول مهم في بلدية المنطقة، يشتعل بريق عينيه، يحدّق في المارّة كثيرًا، وحين يقترب من الديوانية يدقّق في كلّ من تستولي عليه نظراته من الكهول الذين يدخلون في تفكيره سريعًا ويحسبهم ممّن كانوا يرتادون عليه في سام خوير». ومثال آخر على الشخصيات البسيطة والفقيرة قصة «سلمان وباخرة جبل سورا»، حيث جاء في بدايتها ما يلي: «انقضى ليله الحزين وبدأ جولة جديدة من معاناته الصّباحية المقلّبة للهموم والمواجع، التي تعتصر فؤاده كلما امتلأت سفينة بالرّكاب وغادرت بهم أمام رمقات عينيه المتعبتين إلى وجهات وبلدان متعدّدة من مرفأ الميناء الكبير، الذي يعمل فيه منذ سنوات مقدّمًا للقهوة والشاي في مكتب رئيس الشحن، يبقى سلمان حبيسًا كعادته في كلّ يوم داخل تلك الغرفة الضيّقة، المكتظة بعلب الحليب وقناني القهوة وصناديق الشاي وأكياس السُكّر». سابعًا: الرمزية في قصة (أم الزرانيق وريح الصرصر): هذه القصة ترمز إلى حب الوطن والارتباط به مهما حل به من كوارث ومآسٍ، فالمدينة الصغيرة «أم الزرانيق» هي الوطن، حيث تبدأ القصة بإعلان هام عبر الإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى بأن أم الزرانيق سوف تتعرض قريبًا لريح صرصر عاتية، محملة بالغبار والحصيات الصغيرة الملتهبة مثل الجمر، تحرق جلود الأيدي والأرجل وتبتلع الأخضر وتطحن اليابس، وتدمر الزرانيق وتمحي معالمها. وأمام هذا الخطر الوشيك يسارع الكثير من المقيمين والغرباء في هذه المدينة إلى الهروب والسفر منها خوفًا على حياتهم ومصالحهم بينما يتمسك الأبناء الأصيلون بمدينتهم ويرفضون مغادرتها مهما أصابهم من ويلات ودمار. وفي نهاية القصة يتبين أن تلك التحذيرات والتنبؤات السابقة لم تصدق، فتعود المدينة إلى طبيعتها ومجرى حياتها العادية.فقد جاء في الصفحة 65 عن إصرار الأهالي على التمسك بمدينتهم: «وأما أبو رياض فقد طرق البحر من جديد بإرادته القوية وعزيمته التي لا تلين، يبحث عن رزقه وقوت عياله، يسعد برمي سنارته وشباك صيده في مصائد الأسماك البعيدة والعميقة، يستأنس بلذة الصبر لساعات طويلة فوق مياه البحر إلى أن يفرجها الله».وجاء قرب نهاية القصة: «اقترب الموعد كثيرًا، الكرة الأرضية تسبح في فلكها مثل البالونة الطائرة في الهواء، وأم الزرانيق ثابتة في موقعها مثل الجبل، تحتضن أبنائها بأمن وسلام، ترعاهم، تداريهم، تقيم لهم البرامج والأنشطة الثقافية والرياضية والفنية والاجتماعية».

مشاركة :