فيلم «لا يوجد شر» يفتح الأبواب المغلقة في إيران

  • 4/5/2020
  • 10:12
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في دورة متوسطة المستوى، الدورة 70 من مهرجان برلين السينمائي، ذهبت جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في المسابقة إلى فيلم  «لا يوجد شر» للمخرج الإيراني محمد رسول آف، الذي لم يتكمن من حضور المهرجان أو استلام الجائزة بسبب مواجهته لعقوبة السجن مع إيقافه عن صناعة الأفلام من قبل الحكومة الإيرانية.تدور أحداث الفيلم في أربع قصص شبه منفصلة، يربطها جميعها أنها تدور عن عقوبة الإعدام في إيران، ويمكن بقليل من الخيال ملء الفراغات بين بعض الخطوط حتى نحصل على روابط أخرى بين الشخصيات. القصص لها عنوانين فرعية وأبطال مختلفين، فكأننا نشاهد 4 أفلام داخل الفيلم، ويتفاوت المستوى بينها. تأتي القصة الأولى كأفضل واحدة، إذ نتابع يوم في حياة شخص تقليدي، يعيش مع زوجته وطفلته، ويذهب لزيارة أمه، لكن رسول آف يربط بين هذه الشخصية وموضوع فيلمه بطريقة ذكية وصادمة. المميز في هذه القصة هي أن ما يحركها هو الشخصية أكثر من الحدث نفسه، لا يوجد عقدة أو تصاعد درامي أو حتى تطور للشخصيات، سيناريو شديد البساطة ومخرج أجاد تنفيذه حتى يضمن بقاء المشاهد طيلة مدة هذه القصة منتبهًا وفي انتظار ما سيحدث. تأتي القصة الثانية والتي حملت عنوان «قالت: فقط افعلها» على النقيض، إذ هي أكثر قصص الفيلم تواضعًا، وضمت كذلك أقل أبطال الفيلم إقناعًا، وتدور أحداثها عن شاب يقضي الخدمة العسكرية ويُطلب منه تنفيذ حكم الإعدام في أحد المساجين وهو ما يجده مخالفًا لمبادئه. عكس القصة الأولى نجد هذه أكثر مباشرة وتقول ما تود قوله مباشرة في وجه المشاهد. بينما يتحسن الفيلم مرة آخرى في القصتين الأخيرتين، الثالثة حملت عنوان «عيد الميلاد» وفيها يأتي شاب إلى منطقة ريفية ليخطب حبيبته ليجد أنهم في حالة حزن نتيجة تنفيذ عقوبة الإعدام في أحد الأشخاص الذين اعتادوا على العيش في القرية، والرابعة بعنوان «قبلني» عن شابة تأتي إلى منطقة معزولة حيث من المفترض أن تكمل دراستها بعيدًا عن أهلها لتفاجأ هناك بأمور مهمة عن حياتها. عكس أفلام أخرى تطرح قضيتها على المشاهد وتتركه يتفاعل معها دون أن يخرج برأي قاطع من الفيلم، يتضح منذ القصة الثانية موقف رسول آف الرافض للعقوبة، والذي يستمر حتى آخر قصة، لكنه يكتب السيناريو بحيث يقدم تأثير عقوبة الإعدام، ليس على الأيام الأخيرة للأشخاص الذين يتعرضون لها أو أقربائهم، كما هو معتاد في أفلام أخرى، بل ينظر للأمر من زاوية أخرى، كيف يحيا من ينفذ عقوبة الإعدام؟ وكيف سيشعر لو قابل أهل أحد من نفذ فيهم العقوبة؟ جميعها أسئلة من النادر أن نشاهدها سينمائيًا، وكما ذكرنا يقدمها رسول آف في فيلمه بشكل مكثف يترك أثره في كل مرة بعد نهاية كل قصة. ولا يترك لنا الأبواب مواربة لخيالنا، إذ أن النتيجة واضحة أمامنا، وموقف الشخصيات أيضًا واضح، حتى أن بطل القصة الأخيرة، يقول إنه لو عاد به الزمن لكرر نفس ما فعله. ثلما اهتم المخرج بكتابة شخصياته وبعرض أفكار مختلفة، يهتم أيضًا بتوثيق المكان في الأحداث، فبينما تبدأ القصة الأولى من قلب المدينة المزدحمة ونتابع الشخصيات في الحياة اليومية بين البنك والسوبر ماركت وغيرهما، تأتي القصة الثالثة في إحدى المدن الريفية والأخيرة في منزل في منقطة صحراوية شبه معزولة. يوظف المخرج الأماكن هنا بطريقتين، الأولى أنه بتوسعة رقعة تأثير عقوبة الإعدام التي يهاجمها في فيلمه، والثانية بإضافة تأثير لهذه الأمكان نفسها على الشخصيات، ونجد هذا بوضوح أكبر في القصتين الأخيرتين. في القصة الثالثة يستغل رسول آف المكان الريفي المجاور لمجرى نهر أو بحيرة صغيرة، ليوظفها أكثر من مرة داخل الأحداث فهي التي يخرج منها البطل للمرة الأولى مغتسلًا، وهي التي يعود إليها بعد اكتشافه لأمر يؤثر على علاقته بحبيته. بينما في القصة الأخيرة، نجد أن البطل قد غادر إلى الصحراء شبه هارب، بينما نشاهد علاقته المضطربة بابنة صديقه التي تأتي في زيارة مؤقتة، الصحراء هنا ليست مجرد مكان نائي لكنها إشارة واضحة لعلاقة هذا الرجل بالآخرين، إذ قرر أن يُنفى بإرادته. لا يتوقف استغلال المكان هنا عند مظهر الصحراء والطرق غير الممهدة فقط، بل نجد أيضًا توظيفًا للحياة البرية والحيوانات داخل الفيلم. وعلى اختلاف الأمكان، ورغم سودواية الموضوع، فإن المخرج يختار مشاهد نهارية وإضائتها قوية وطبيعية في أغلب مدة الفيلم، الاستثناء كان في القصة الثانية التي -كما ذكرنا- كانت الأقل في الفيلم بوجه عام. صبغت هذه الإضاءة حالة شاعرية أكبر على شخصيات الفيلم وزادت من التعاطف معهم، خاصة في القصة الثالثة التي كانت تضم قصة حب، وربما لم يُرد المخرج أن يجعل الفيلم يبدو قاتمًا حتى يجعل المشاهد يشعر بالوطأة وفي الوقت نفسه يشعر أن هذا يمكن أن يحدث بالقرب منه وليس مجرد حالة سينمائية.

مشاركة :