«الديواني».. استجابة بصرية لتحولات جمالية

  • 6/18/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ينسج الخط العربي بكل تجلياته سلسلة من العلاقات الجمالية التفاعلية بين المناخ الذي ظهر فيه، والبيئة والجغرافيا، وحتى بين الغرض الذي وجد لأجله، إضافة إلى علاقته الأولى القائمة على اللغة العربية قبل أي شيء، بوصفه الصورة الرمزية والتعبيرية الأولى لهذه اللغة. لذلك ينفتح الخط العربي على تنويعات عدة وأشكال كثيرة تتبدل بصيغ متعددة، كل منها يكشف سلسلة من المتغيرات التي أنتجته، فلخط الرقعة تاريخ وظروف أوجدته، وكذلك النسخ، والثلث، والكوفي، وغيرها من الخطوط. بالعودة إلى خمسمئة سنة فائتة من تاريخ المنطقة العربية، أي خلال فترة الحكم العثماني، يمكن قراءة الحالة التي ظهر فيها واحد من أجمل وأشهر الخطوط العربي وهو الخط الديواني، إذ لا يعد الخط وليد أذهان الفنانين بقدر ما هو استجابة بصرية لكل المحمول الجمالي الذي يشتمل عليه المكان والمتغير المعرفي الفكري القائم في تلك المجتمعات. لهذا يؤرخ الباحثون في الخط الديواني على أنه ظهر إثر سلسلة من التغيرات التي شهدها الخط العربي خلال قرن من الزمن، فيؤكدون أن الديواني جاء نتيجة تحولات جرت على خط التعليق القديم، إذ يروي تاريخ الديواني أنه وجد بعدما فضلت بعض الدول الإسلامية استخدام خط التوقيع خطاً رسمياً لها، بوصفه واحداً من الأقلام الستة التي وضع مقاييسها ابن مقلة، وهي: الثلث، والنسخ، والمحقق، والريحاني، والتوقيع، والرقاع. وتعرضت تلك الخطوط الستة إلى تحولات عدة في البلاد الإسلامية وتفرعت عنه خطوط جديدة كان منها التعليق الذي أصبح فيما بعد نسخ تعليق، ثم استسهالاً سمي نستعليق، وظل هذا دارجاً في الدول التي حكمت بلاد فارس حتى خسرت دولة الخروف الأبيض آق قوينلو التركمانية معركة (اوتلق بلي) التي خاضتها مع الدولة العثمانية عام (872 ه-1473م)، حينها قام السلطان العثماني (محمد الفاتح) باستقدام أرباب الفنون والحرف من قصر دولة الخروف الأبيض إلى إسطنبول، وبذلك انتقل التعليق القديم إليها، وكان العثمانيون حتى ذلك الوقت يستخدمون خط التوقيع في مراسلات الدولة، وخط الرقاع في النصوص الطويلة، وكانت تلك الخطوط في الأصل تمثل نقطة البداية في ظهور خط التعليق القديم. ثم أصبح لدى كتاب الديوان العثماني خطاً جديداً ناجماً عن تعرض التعليق القديم لتحولات في الشكل، وأطلق عليه في البداية اسم الخط الديواني، وأول من وضع قواعده إبراهيم منيف بعد فتح القسطنطينية عام (857ه- 1453م) ببضع سنين، وبقي العمل به مستمراً في دوائر الدولة العثمانية حتى استبدل الأتراك الخط العربي بالحروف اللاتينية. هكذا تروي الحكاية تاريخ ظهور الخط الديواني، إلا أن الباحث في التاريخ الجمالي لظهوره يجد أنه شكّل عملاً واضحاً لعلاقة الخط العربي مع البيئة المحيطة، فما ليونة الحروف فيه وقدرتها على التشابك سوى امتثال لجملة من الأشكال النباتية التي عرفتها منطقة بلاد فارس وامتداد الدولة العثمانية. وما كثافة التداخل وزخرفته في هذا الخط إلا أثر واضح لما اشتملت عليه الفنون في الشرق التي بدت على تماس مباشر مع الحالة الجمالية التي شهدتها تلك المنطقة، خصوصاً أنها ترتبط ارتباطاً جغرافياً، وتربطها مع الشرق الأقصى خطوط تجارة كانت عاملاً رئيسياً لنقل مفاهيم وعلامات جمالية ثقافية كثيرة. هذا ما يؤكده التغير الذي جرى على الديواني نفسه بعد دخوله في فضاءات جغرافية متنوعة حيث اشتغلت عليه أذهان فنانين لهم مرجعياتهم البصرية المتفاوتة، فظهر الديواني بالأسلوب العثماني، والديواني بالأسلوب المصري، إضافة إلى الديواني البغدادي.

مشاركة :