الى أين؟ «الصمت حكمة.. الشوارع الصامتة أكثر حكمة»

  • 4/14/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في المشهد الأخير لفيلم «cast away» يقف تشاك نوالند (توم هانكس) أمام مفترق طرق بعد أن قضى مدة طويلة معزولاً على جزيرة نائية إثر سقوط طائرته، اكتشف بعد عودته لمدينته أن مسار حياته لا يمكن أن يستكمل من حيث انتهى قبل الحادثة، كان المشهد البانورامي لتقاطع الطرق وتشاك حائراً بمنتصفه، محملاً بطاقة رمزية هائلة، يمكن قراءتها كرمز للحيرة، ويمكن أيضاً أن توحي بوجود فرص أخرى لاستكمال الحياة، وارتياد طرق جديدة. كم يبدو هذا المشهد البديع معبراً عن عالمنا اليوم حيال هذا الامتحان العسير الذي يواجهه مع جائحة كورونا، فنحن جميعاً أمام مفترق طرق تاريخي، حائرون أمام هذه القوة التي تنذر بهدر كل منجزنا الإنساني. تأمل كيف قامت بغتة هذه الجدران الهائلة بين الدول، لتطوي عصر العولمة، وشعارات القرية الواحدة بلمحة عين. أنظر إلى هشاشة الوحدة الأوروبية عند أول اختبار حقيقي ما دفع رئيس وزراء إيطاليا لانتقاد تقاعس الدول الأعضاء عن نجدة بلاده، مشيداً في الوقت ذاته بالصديق الصيني الوفي. راقب هذا الصراع الرهيب بين مفاهيم الرأسالمية، وواجبات حقوق الإنسان، لتدرك عمق الهوة التي سقط فيها النموذج الديمقراطي، ونشوء أسئلة جدية حول نجاعة الديمقراطية الغربية ومعيارها الأخلاقي، وعلى الأخص فيما يتعلق بقيمة الإنسان المجردة، كإنسان مستقل لا بحكمه فرداً في مجموع ينخرط في لعبة الانتخابات، الأمر الذي سيجعل فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ وسيادة نموذج الديمقراطية الليبرالية يشد شعره مذهولاً، فيما سترتسم ابتسامة ساخرة على شفتي برنارد شو الذي شبه الديمقراطية بـ «جهاز يضمن عدم عيشنا أفضل مما نستحق». مقامر من يتكهن بملامح عالمنا بعد انقشاع غيوم كورونا، لكنه بالتأكيد لن يكون كما كان، ربما تصبح هذه الجدران الهائلة التي قامت بين الدول، قدراً دائماً، ووقوداً للنزعات القومية، ربما تكون أزمات الغذاء والمؤن الاستراتيجية دافعاً لإعلاء مبادئ الاكتفاء الذاتي، وضربة مؤلمة لوعود العالم المفتوح والتكامل الدولي، ربما تتراجع قوى عظمى، وتقفز أخرى على سدة العالم، لكن من زاوية أخرى قد يكون هذا الألم الجماعي، باباً إلى تعزيز الوحدة الإنسانية، قد يكون خطر الفناء الذي يهدد البشرية، فرصة لا تتكرر لنبذ سياسات الهيمنة، ونزعات الاستعلاء، قد يكون هذا التشارك المصيري في الخوف والضعف، تذكيراً بتساوي البشر، ووحدة مصيرهم، فتذوي كل الأفكار العنصرية والنزعات القومية، ويتوقف سباق التسلح والقوة، فعندما يجتمع العالم برمته في خندق واحد، يواجه قوة عمياء لا تميز بين صغير أو كبير، أبيض أو أسود، ليس مهماً من يصل إلى اللقاح أولاً ومن أي دولة أو دين أو قومية، المهم أن يرتفع هذا الظلام الثقيل.

مشاركة :